رسالة من الخبير..

وردتني هذه الرسالة كتعقيب على تدوينتي الأخيرة “واجه مخاوفك”  ، ولا  أظن أن أي تقديم لها سيرقى لما تفيض به من مشاعر صادقة. وعليه رأيت أن أشارككم ما وصلني: 

====

 

 

الأخ رائد،

نحن نعيش في زمن غريب، إذ يأتي على ما في نفوسنا غرباء عنا، لكنهم قريبون بفضل الإنترنت.  وقد بلغني ما كتبت بعنوان “واجه مخاوفك” فأردت التعقيب على تدوينتك بملاحظات كتبتها أثناء ظروف صحية ألمت بابنتي:

 

حين تلقيت الصدمة- أعني وقع خبر نتيجة تحاليل ابنتي- أصبت ببرودة، هل سبق أن أحسست بذلك؟ أن تنبع البرودة من داخلك، حتى تبرد أطرافك وتتخدر؟  إن لم تفعل فسل الله دائما ألا  تشعر بها أبدا، لأنك حين تفعل فهذا يعني أنك بدأت الدخول في نفق مظلم وبارد يؤدي إلى مخاوف لا تستطيع حتى تخيلها. هذه البرودة هي أول ماتحس به حين تتجسد مخاوفك، حين يلفك الظلام ويطمس نور الأمل. ظلت هادئا ومحافظا على رباطة جأشي، لكني انفجرت في وجه الطبيب وكأن المسكين هو من اصاب صغيرتي بالمرض في حين أنه كشف عنه فقط.

اجتمع الاهل، وابتدأ أزيز النصائح من حولي، الكل يهوّن، الكل لديه أقرباء أصيبوا أو أصيب ابن جيرانهم بنفس المرض فذهبوا لمستشفى ما، في بلد ما، وهاهو ابنهم اليوم يركض ويلعب كبقية الأطفال. صحيح أن الأمر مزعج، اعني هذا الكم الهائل وغير المنقطع من النصائح، لكن فيه أيضا جانب من الراحة النفسية لأن مشكلتك تكمن ضمن نطاق معرفتهم، هم يعرفون أكثر منك، هم “الخبراء” وعليه هناك من مر بهذه المشكلة وعثر على الحل وما عليك سوى التجربة “نفس المستشفى، نفس الطبيب، نفس الدواء، أو نفس الشيخ الذي يرقي، وستقوم صغيرتي لتلعب كبقية الأطفال..” هكذا تحدث نفسك، هكذا يحلق بك عقلك في البدء.

وتقوم بتثقيف نفسك، فتسمع لأكثر من رأي لأطباء لا تعلم عنهم أي شيء لكن تثق في معطفهم الأبيض، تبحث في الإنترنت، تقرأ المواقع الطبية، التدوينات والمنتديات. تتعرف على الأسباب، الأعراض، والمضاعفات. تقرأ عن أنواع العلاج، تقارن بينها ثم تتعمق فتقرأ عن الأدوية، عن الجرعات، عن أعراضها الجانبية. لكن كل هذه المعرفة بالمرض لا تغير حقيقة واحدة هي أنك لم تحرز أي تقدم بعد. ما الذي يفيد حين تقرأ أن المصابين بالمرض يشكلون ٣.٨٪ ممن هم في عمر صغيرتي؟ هذا الرقم الصغير استطاع أن يحتوي صغيرتي، عائلتي، أن يلتهم كل ما بقي من عمري. لذا فالنسب والأرقام لا تعني شيئا متى كنت أنت جزء من مجموع هذا الرقم الصغير. عندها، تتأكد أن هذا الأمر لا يحدث للجميع، وبأن ندرة المرض لا تغير من الواقع أي شيء. وهكذا.. يقذف بك عقلك إلى الواقع! 

ومع مرور الوقت، ينشغل من كان حولك بمشاكلهم، بحياتهم، تخفت النصائح من حولك رويدا رويدا، حتى تتلاشى بالرغم من أنهم متى ما لقوك استعلموا، واستمعوا لك وأنت تخبرهم بأن العلاج ليس في الغرب كما قيل مسبقا إنما أحرز تقدما في الشرق وتحديدا في البلد الفلاني، في المستشفى الفلاني، وعلى يد الطبيب الفلاني.

عندها تستوعب بنوع من المرارة، أنك خرجت عن نطاق معرفتهم وصرت أنت “الخبير”

ملاحظة:

منعني من الافصاح عن اسمي الكثير من أصحاب النسب الكبيرة (ال٩٦.٢٪ الباقية) والذي لا يبخلون باصدار أحكام عما كتبت وكونه تذمرا أو اعتراضا على القدر -معاذ الله- في حين أن هناك مساحة بين قصارى ما يبذل المرء وبين غاية ما يأمل. هناك في هذه المساحة أجثو على ركبتي أنا ووالدتها ندعو الله ولا نيأس من رحمته.

 أما عن رسالتي فأعد صياغتها كما تشاء، فمهما بلغت براعتك لن تستطيع أن توجد صياغة توقف الألم الذي يعتصرني في كل مرة أداعب شعر صغيرتي.

شكراً لك مرة أخرى، وعذراً على الإطالة.

بقلم،

الخبير  

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp
  1. عبدالعزيز

    2015/10/04 - 05:58 م

    حركت فيني الكثير من المشاعر و انا اقراء رسالة الخبير ،

    استشعرت المخاوف التي يمر فيها و خصوصاً انه اب ،، حيث لا يوجد اغلى من الآبناء عليه ،،
    اسئل الله الكريم رب العرش العظيم ان يشفي صغيرتك و يرزقك برها

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات