6882-1038x576
الحقيقة والصحافة

“فإن كثيرًا من كلام الصحف لو مسخه الله شيئًا غير الحروف المطبعية، لطار كله ذبابًا على وجوه القراء”

صعاليك الصحافة -مصطفى صادق الرافعي

الفكرة باختصار: لا يمكن عرض الحقيقة عبر الصحافة في هيئتها الحالية لأسباب عدة. 

الشرح الممل:

الصحافة والدوريات باتت اليوم مهددة عالمياً، وذلك لعدة أسباب خذ على سبيل المثال إفلاس مجلة نيوزويك وتوقف طباعتها في نوفمبر ٢٠١٢، وشراء مؤسس أمازون لصحيفة عريقة كالواشنطون بوست بعد تكهنات بأنها كانت قاب قوسين أو أدنى من إشهار إفلاسها. لكن الصحافة المحلية اليوم تعاني من مشكلة أخرى وإن لم تكن مالية فهي جسيمة وكفيلة بكساد بضاعتها وهي غياب الحقيقة عن صفحاتها.

 قد تتفق معي، وقد تهم بكتابة رد إن كنت من أهل الصحافة، والحقيقة هذا رأي إنسان بسيط توقف عن قراءة الصحف المحلية احتراماً لعقله، وتوقيراً لما يكتب الغير من أرباب الصنعة سواء إقليميا أو عالميا. على أية حال فيما يلي أسباب دفعتني لهذه القناعة: 

1. طاقم الصحافة

ما الذي يمكنهم من إدارة الرأي العام عبر الصحافة؟ ما هي خلفيتهم العلمية؟ أو مستوى ثقافتهم؟ هل هم يعبرون عن ثقافة القارئ؟ أم ثقافة من يعينه؟ هل مجرد المهاترات العابرة للبحار والمحيطات كفيلة بأن تمكن أهل الصحافة الحاليين من تصدر الرأي العام؟ أم أن جمع المال عبر الدعايات كفيل ببقاء أقلامهم؟ هل هم على وعي تام بالمسؤولية التي تقع على كاهلهم؟  يكفي أن تقرأ افتتاحية رئيس الملحق السياسي الأسبق لجريدة التيليغراف بيتر أوبرن في مقاله “لم استقلت من التيليغراف؟” لتعلم أن رجلاً كهذا لم يقدم على فعله الجريء دون وعي تام وقناعة لا تتزحزح لمهمة الصحافة في المجتمعات. قبل أن تستهين بالصحافة وتظن أني أبالغ، لك أن تمر بنجومها وتقرأ عن مدى تأثيرهم في الرأي العام، وقس على ذلك “ربعنا”  

2. عدم فهم وظيفة الصحافة

“السلطة الرابعة” هكذا يرمز لها، فهي ترشد الرأي العام وتسلط الضوء على ما ينبغي الإلمام به، ولنرجع للواشنطن بوست مرة أخرى فقد ساهمت في تهييج الرأي العام الأمريكي في فضيحة واترغيت التي أطاحت أخيراً بالرئيس نيكسون، في حين أن الصحف المحلية في كل بلد عربي في أغلبها ما هي إلا حائط لتعليق مراسيم الدولة، ومستجدات القوانين، ووسيلة للتهنئة أو لتقديم العزاء، ودعايات لا حصر لها ولا فائدة ترجى منها. ولا يلزمك الكثير من الوقت للعثور على أخطاء فادحة وتمر مرور الكرام، في حين أن رئيس تحرير صحيفة الديلي ميرور البريطانية بيرز مورغن طرد فوراً من وظيفته في العام ٢٠٠٤ إثر نشر صور مفبركة لجنود بريطانيين في العراق دون علم الصحيفة!

3. سقف الحرية

يبدو للقارئ أن هناك خطوط حمراء متشابكة تختلف في وضوحها وقتامتها فهناك خط أحمر يخشاه رئيس التحرير من أن يثير حفيظة أحدهم، وخط أحمر قد يحرم صحيفته من أموال ناشري الدعايات، وخط أحمر لا يود أن يتخطاه مخافة أن يثير حفيظة المجتمع فيتعرض للنقد على مواقع التواصل الاجتماعي ويصبح اسمه مقيداً بهاشتاق لبضعة أيام. كل هذه الخطوط الحمراء تبدأ من الحرف الخطأ وتنتهي بكرسي رئاسة التحرير وعليه فينبغي عدم الاقتراب منها والوقوف دونها. مثال محلي، تغطية موقعDohanews.co     لتفاصيل مملة من الشؤون المحلية، سواء حوادث أو جرائم أو فضائح مؤسساتية في حين أن الصحف المحلية تكتفي بالعبارة التقليدية “علمت صحيفة **** من مصادر موثوقة بأن هناك مؤسسة ما..إلخ” ولا ينقص الجملة سوى عبرة في “بلد ما على سطح كوكب ما” حتى تزيد غموضا فلا يتهم أحدهم الصحيفة بتجاوز خط من الخطوط الحمراء! 

 4. التطبيل 

ونعني بهذا أن تقرأ حروفا مطبوعة باللغة العربية لكنها أقرب للنوتات الموسيقية تبجل وتمدح، لا تفهم منها سوى أنه يحتم عليك الموافقة وإلا أصبحت هذه الحروف حبل ثخين يلتف حول عنقك! ولا أظن أن هذا أمر أرادته الحكومات بقدر ما أنها مزايدة على وطنية من قبل طواويس الصحافة. الصحافة وسيلة لفهم توجهات الحكومة، وإدراك هموم الشارع لكن العاملين بها يحسبونها أبواقاً تكبر الصوت ولا تستطيع سمع المواطن (إلا من رحم ربي.)  

5. رتابة الطرح 

أصحاب الأقلام الصحافية الذين يكتبون في كل مجال، ولا مانع من ذلك خاصة مع رواج صحافة الرأي، لكن الرأي الذي نريد منهم هو رأي قائم على أسس ومبادئ، على أرقام وإحصائيات، على نظريات ومسلمات. أما أن يكون عامودهم اليومي ما نصلب عليه عقولنا فهذا لعمري ما لا طاقة لنا به، إذ أن جل ما يهذون به ما هو إلا امتداد لسالفة مجلس قطعت فأرادوا إتحافنا بها في اليوم التالي. 

في الغرب نجد أن أهل الاختصاص هم من يعكفون على كتابة المقالات المتخصصة، سواء في السياسة أو في الاقتصاد لكن للأسف عندنا أهل الصحافة هم إما هواة أو أنهم رضوا بالصحافة ولا أظنها رضت بهم. خذ على سبيل المثال تحقيق الإيكونيميست قبل ١٦٠ عاماً (العدد 552 والصادر في الخامس والعشرين من مارس ١٨٤٥ ميلادية) والذي نشرته مرةً أخرى تعليقاً على أزمة أوكرانيا كأصل لتحليل الموقف الروسي في أوروبا، مقارنة بتحليلات محلية لأزمات عالمية عناوينها “الدب الروسي، والطاحونة الفرنسية والعطر الفرنسي والإسباغيتي الإيطالية” حتى في الشؤون المحلية غياب ثقافة التحقيق والتحليل، فإن أغلب التحقيقات تجري على هذا النحو: 

  • تحقيق صحفي دون الرجوع لكافة الأطراف. 
  • إثارة بلبلة على تويتر وعبر سلسلة من المقالات تخلط الحابل بالنابل. 
  • الطرف الذي لم تتسن له فرصة توضيح موقفه يطلب من ذات الصحفي الحضور وتوضيح موقفه. 
  • الصحفي ينشر مقالاً يوضح وجهة نظر الطرف الثاني، ويشكر لهم حسن استقبالهم. 
  • موجة عرفان وامتنان للصحفي الهمام الذي راعى الأمانة الصحفية. 

ويبقى سؤالك الوجودي حائراً وحارقاً: لماذا لم يتم التحقق من كل هذا قبل أن تكتب عزيزي الصحفي حرفاً واحدا؟ 

ناهيك عن تجدد الطرح مثل الرسومات البيانية – الإنفو جرافيك-وطريقة التكامل ما بين المواقع الإلكترونية والصحيفة الورقية (مجلة فورين بولسي تضمن في نهاية المقال قسماً لتصحيح المعلومات التي وردت في المقال لأنها أمانة الصحافة و”شرف” المهنة) كل هذه الإضافات تشير إلى عقول مبدعة، وهم صحفي، وحب للمهنة. أما المقالات في صحفنا المحلية فتشبه وصايا الموت التي لا يدري صاحبها كيف يبدأ بها ولا يعلم كيف يختمها! 

في النهاية، وحتى يتم معالجة هذه الأسباب، ستغيب الحقيقة عن الصحف المحلية. ستجدها إن أردت في مجالس الرجال، في تجمعات النساء، في رسائل الواتس آب، أو في ثنايا التغريدات، في المدونات، والصحف الإلكترونية المستقلة. لكنك لن تجدها مهما بحثت في صحف اختلط حبرها بِريقِ كتابها، أو هكذا يبدو لي. 

  

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp
  1. علي السهلي

    2015/07/12 - 02:37 ص

    ماشاءالله اخي رائد
    مقال معتبر

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات