تفاعلاً مع موجة العنف التي يتعرض لها الأمريكيون من أصول أفريقية، قام الشاعر كلنت سميث بكتابة رسالة، إلى الابن الذي قد يرزقه ذات يوم، الشاعر يتفكر في الدروس التي تلقنها ويشاركنا آماله لابنه في المستقبل نشرها موقع ideas.ted.com وقد رأيت أن أترجمها بتصرف، لأنها تلامس الكثير من واقعنا.
======
بني،
أود أن أحدثك عن مدى صعوبة أن تخبر أحدهم بأنه جميل ومعرض للخطر في آن واحد. لكم يستحق الحياة، لكنه وبسبب عيشه فهو محتقر.
لا أقصد أن أخيفك. والدي (جدك) علمني أن اتبع قوانين محددة قبل أن أفهم مقاصدها. أخبرني بأن هذه القواعد لا تنطبق على الجميع، حتى أنها قد لا تنطبق على كل أصدقائي. لكنها وبغض النظر عن هذا كله فهي قواعد ينبغي علي اتبعها. الكثير من الأطفال السود يُقتلون لأجل أسباب لا يعيرها أقرانهم أية انتباه. الاستماع للموسيقى بصخب على سبيل المثال، أو لبس سترة ووضع غطاء الرأس الملاصق بها على الرأس، أو حتى للعب بلعبة في وسط حديقة. والدي علم هذه الأمور. علم أنه لا مجال للخطأ. أيقن بأن هذا ليس عادلاً، لكنه أحبني حباً منعه ألا يعلمني هذه الأمور، بقصد حمايتي.
لقد قصصت عليك هذه الحكاية من قبل، لكنها جديرة بالسرد مرة أخرى. في العديد من أيام السبت وفي أوقات الصباح كنت وصحبي نتجول بدراجاتنا الهوائية بين الحي معاً. كان الهواء ينحت حينها سعادة بسيطة على وجوهنا البريئة. رائحة وجبات الإفطار وهي تتسلل من خلال فتحات نوافذ البيوت المصفوفة على جانبي الطرقات. كل ما كان حقيقا بجلب انتباهنا من خيارات لا نهاية لها كان أمامنا، أمام مقاود عجلاتنا الهوائية. الأمر الذي كان يعني بأننا لا زلنا أطفالاً! كان طاقم فريقنا مكوناً من عناصر متنوعة، أطفال من عدة أعراق، لشدة ما كانت قناة ديزني لتفخر بهذا الفريق المتنوع. حلمنا ببناء أكواخ بين أغصان الأشجار لها كلمات دخول سرية، وبقتال التنانين قتالا محفوفاً بالمخاطر أثناء دفع زفرات التنانين النارية. حلمنا بتحقيق هدف الفوز في مبارة بوسط استاد حيث الآلاف من الناس يهتفون بأسمائنا. كان طموحنا يبلغ حدود المجرة التي ولدنا بها، كنا ببساطة كواكب صغيرة تنشد أفلاكها.
ذات مساء، ذهبنا لملعب حيث كنا نلعب دوماً الكرة الأمريكية، نحاكي المحترفين ذوي العضلات المفتولة في زهوهم أثناء مباريات الأحد التي نشاهدها عبر التلفاز. هذه المرة كان الملعب مغلقا، كان مدخل السياج مقفولا بقفل عصي الكسر. أحد الرفاق، وكان شعره أشقراً طويلاً، يتدلى أمام عينيه، رمى بالكرة إلي، وسرعان ما تسلق السياج. شاهدته، يضع رجلا فوق أخرى وهو يتسلق بكل سلاسة دون أن يعير انتباها للحقيقة، دون أن يأبه بأننا من غير المفترض أن نتسلل لهذا المكان. أذكر سماع صافرات الشرطة من بعيد، علها كانت تبعد عدة حواري عنا، علها كانت تصفر ذاهبة بعيدا في اتجاه آخر، لم أستطع التحقق من ذلك، لكن كنت على علم بأن علي عدم تجاهلها. في هذه الأثناء حط صاحبي على الناحية الأخرى من السياج، وأخذ يومئ إلى البقية منا بأن نقفز من فوق السياج كما فعل. ظللت ممسكا بالكرة في يدي، أراه من خلف شباك السياج الذي حال بيننا. كانت تلكم اللحظة عندما أيقنت كيف أني وإياه مختلفان، قبل أن امتلك الكلمات التي تمكنني من شرح اختلافي وإياه. كيف استطاع خرق قانون ما بدون أن يعير الأمر فكرا، في حين أن ارتكابي لهذا الخطأ قد يكلفني باهظا!
بني،
أتمنى أن اعلمك جل ما علمني إياه والدي، لكني أدعو أن تعيش في عالم مغاير تماماً للعالم الذي ورثته ووالدي. أنا لا أحسد والدي على مهمته، وهي مهمة قد توكل إلي ذات يوم. أخبرك بهذه الأمور لأَنِّي متيقن من قوتك ومرونتك. نعم، ستصّير خوفهم إلى حصن يحميك، ستحوله إلى معقل لحب الغير، ضد الوحشية التي لا مبرر لها.
أريدك أن تعي أنها لكن تكون الأمور التي يخبرك العالم بها، بل الأمور التي يكتمها عنك. ستكون هذه الأمور المهملة، خلاف الإهانات المباشرة، ما تسبب أكبر أَذًى. كتبك المدرسية مثلا، لن تخبرك على الأرجح أن توماس جيفرسون اعتقد بأن السود أدنى مرتبة من البيض في الروح والجسد، لن تخبرك كيف أبقت صفقة الرئيس روزفلت على حفرة تتسع لعائلات السود لتهوي فيها في حين أن هذه الصفقة رفعت بقية البلاد للطبقة الوسطى لتكوّن عائلات متوسطة الدخل. لن تخبرك أيضاً كيف حالت الحكومة الفيدرالية بين عائلات السود وبين امتلاكها لبيوت في المدن على امتداد هذا البلد. لن تخبرك هذه الكتب كيف يتم تحفيز مراكز الشرطة لرؤيتك على هيئة مشكلة، شيء ينبغي القضاء عليه.
لن يخبروك بهذه الأشياء، ولهذا السبب سيتوقعون منك أن تؤمن بأن حقيقة مجتمعاتنا المعاصرة ماهي إلا نتيجة أخطاؤنا نحن، بأننا ببساطة لم نبذل الجهد المطلوب، بأن كل ما ينبغي علينا فعله لنغير من هذه التحديات مجرد تعديل طفيف في سلوكياتنا، في أسلوب حديثنا، وفي هندامنا وعنايتنا بثيابنا.
وبالرغم من هذا كله، فلا تظن للحظة أنك لا تستطيع أن تغير شيئاً من مما هو موجود. عالمنا مبني على فرضيات اجتماعية، من الممكن إعادة بنائه. هذا العالم بني ذات يوم، ومن الممكن أن يعاد بنائه. استعمل كل ماتحصلت عليه في إعادة تصور هذا العالم. لست خطأً، ولست عجزاً، لست شيئاً يجب أن يجتث من جذوره أو شيئاً تم الاستعاضة عنه. أنت لست مرضاً اجتماعيا.
أنت أتيت من سلالة ممن بنوا هذا البلد. أتيت عبر أجدادي. أحدهم الذي كد عبر حقول التبغ طوال فترة مراهقته على امتداد نهر المسيسيبي. وآخر ممن حملوا السلاح دفاعاً عن هذا البلد، وما أن وضعت الحرب أوزارها حتى بصقوا عليه. أتيت عبر جداتي اللاتي كرسن حياتهن لتعليم مجتمعاتنا الصغيرة، حيث كانت جودة التعليم ترزح تحت أهواء الدولة. أتيت عبر والديّ، اللذان حمياني من العنف وجعلا مني شخصاً كاملاً. أنت تجسد رغبة هؤلاء جميعاً، الرغبة التي لا تعرف اليأس، وترغب في التغلب على هذا كله.
أتمنى أن ترث عالماً تستطيع فيه أن تحب من تشاء. أتمنى أن تقرأ، وتكتب، وتضحك، وتغني، وترقص، وتبني، وتبكي، وتفعل جميع الأمور التي يفعلها بقية الأطفال.
أتمنى ألا تقف أبداً في الطرف الآخر من السياج، وتعلم أنه عالم لا تستطيع الدخول له فقط بسبب لون بشرتك.