Flag_of_Islamic_State_of_Iraq.svg
داعش = الربيع العربي؟
استمع للسحابية

هذه التدوينة لا تكترث بالأشخاص، ولا بالأماكن ولا تعني بالوصف أو الصور البيانية، هي تناقش أفكاراً فحسب، ووجهات نظر قد تتفق معها أو تختلف كما فعلت. هذا حوار قد جرى على هذا النحو ولك أن تتخيل أنه تم في زاوية مسجد، أو في ردهات مكتبة أو على متن طائرة. تخيل أصحابه حليقي اللحى أو شعث غبر ذوي لحى كثاث. أيما تخيلت ستبقى الأفكار كما هي.
===

قلت في جذوة حماسي: واعلم أن رواية تسلط الضوء على النفس البشرية لأحب إلي من قراءة كتب جادة تصنف الحقيقة وتطرح النظريات ولا تؤخر أو تقدم فيما هو واقع سواء صنفناه أو لا.
ابتسم، وأمعن النظر ثم قال بعد أن ساد الصمت: دع عنك الأدب، ودعنا نتحدث عن أمور أقل جدية منه.
فقلت: لك هذا، وإن كنت اتسربل بالأدب لأتقي نقاشات كهذه، فما تود الحديث عنه؟

أخذ يعبث بقلم في يده، وكأنه يرتب أفكاره: داعش.
لا أظنه أمضى كل هذا الوقت ليتفوه باسم التنظيم فقط، ولا أحسبه توجس مني لكن رأيت أن أجاريه فقلت: ما شأنهم؟
قال: لطالما اتهم الفلول أنصار الربيع العربي بأن داعش نتيجة ثورتهم، ولطالما دافعنا نحن أنصار الربيع بأن داعش نتيجة الثورة المضادة. نؤمن بأن الربيع العربي كان هو الثورة التي تمثلنا، الثورة السلمية. ولكن هل ذلك صحيح؟

الأصل في الثورات تاريخياً الدموية منها، والاستثناء هو السلمية. الثورة الفرنسية التي بلغ الدم منها مبلغه بأن أعدمت من قام بإعدام الارستقراطيين، والحرب الأهلية التي اندلعت وانتهت بقطع رأس تشارلز الأول، ومن بعدها ثورة بريطانيا. الثورات لا تسمى ثورات الا إذا كانت جذرية، تجتث النظام السابق وأسياده، وتأسس جذرياً لمرحلة جديدة، أي أن الراديكالية هي صفة لازمة للثورة، والثورة لا تكون ثورة إن لم تكن تتسم بالراديكالية الجذرية. فهل كان أسبوعا أو ما يقارب في تونس، وثمانية عشر يوما في مصر وغيرها من الراديكالية بالقدر الذي نسميه ثورة؟ بمجرد ما نُصّبت حكومات ما بعد الثورة تحالفت مع أجهزة الأنظمة السابقة، هذه ليست ثورات، هذه مجرد مداهنة من قبل نظام لشعب أراد أن يثور لكنه عجز عن الثورة. إن ما قدمته الشعوب العربية آنذاك لا يرقى للثورات، ونتائجها لا تنطبق عليها مواصفات نتائج الثورات.

لو حصرنا مواصفات الثورة، وحاولنا دراسة أي حركة احتجاجية صغيرة كانت أم كبيرة، وحاولنا تطبيق مواصفات وشروط الثورة عليها وعلى نتائجها لمعرفة إن كانت تسمى ثورة أم لا، لوجدنا أن الربيع العربي لم يكن ربيع ثورة وحركات ثورية، فبالتالي لا يسمى ربيعا وأقصى ما يطلق عليه حركات احتجاجية.

على الطرف الآخر، نجد أن في حراك داعش ما يؤهله ليكون حراكا ثوريا. شروط ومواصفات الثورة تنطبق على الحراك الداعشي؛ الراديكالية، الجذرية، الاجتثاث للأنظمة القديمة والفلول، عدم الاعتراف بأي خطوط سابقة للأنظمة المستهدفة، على سبيل المثال عدم الاعتراف بالجغرافيا عند داعش يمثل رمزية الفكرة الثورية التي يحملها التنظيم. إعادة تفسير النصوص، وفي نظرهم أن المجتمعات خارجة عن النهج القويم تماماً كما نرميهم بأنهم خوارج وفرقة مارقة. أضف إلى هذا وضع حلول وأنظمة جذرية بديلة، كنظام الخلافة.

نعتقد أن الربيع العربي هو ما حصل في تونس، ومصر واليمن. ولكن يبدو أن ذلك وهم، بل هو الوهم بعينه لأن داعش هي الربيع العربي! لأن داعش تقدم نموذجاً للتغيير من نقطة لأخرى وتعمل بالحل الراديكالي الجذري الذي يؤمن به السلميون يؤمنون ويعجزون عن دفع ثمنه بالدم.
خروج داعش بالحل الراديكالي، نتيجة حتمية لفشل حراك سلمي، ومن هنا فإن الفشل الذي حصل كان ضرورياً لكي يثبت بأنه غير ملائم لهذا الجزء من العالم. أي أن الحركات الاحتجاجية التي حصلت – الربيع العربي – كانت ضرورية ومقدمة للربيع العربي الكامل أي في وجود تنظيم داعش.

ما الذي يزعجنا في داعش؟ مستوى الدموية؟ هل لو كانوا أقل دموية كنا لنقبل بهم كبديل أو ممثل للحراك الثوري؟ ثم لحظة .. أهم حقاً أقل دموية ممن يغزو، ويعذب ويقتل عن بعد عبر طائرات التحكم – الدرونز؟ هل كان لداعش أن تبقى وتتمدد بدون هذا التكتيك الدموي؟ أليست الدموية جزءاً وصفة أساسية ولصيقة للثورة؟ دمويتهم التي نراها فاقت حدود المعقول هي ما يزعجنا، وهذا أمر ثانوي ومرحلي بالنسبة لهم يمكن تجاوزه لاحقاً، ما أن يظهر للتنظيم زعيم “برغماتي”

ما لفت نظري في هذا كله هو هدوء الطرح، وعدم وجود أدنى انفعال وهو أمر يدل على جدية الطرح في العالم العربي إذ أن أكثر الأمور سُخفاً، وأضحلها فكراً هي التي تُناقش بانفعال، واضطراب وصراخ يتبعها احمرار وجه وانتفاخ ودج.

انتبهت لسؤاله: معاي؟
قلت: نعم.
فقال: غريب صمتك!
فقلت: غريب طرحك!

ضحك ثم تابع: عندما يشتم الفلول أنصار الربيع العربي ويتهمونهم بداعش، فإن هؤلاء يشتمونهم ويتهمونهم بأسباب خروج داعش، ولكن الحقيقة أن داعش هي الربيع العربي الحقيقي. هناك جزء منا داعشي ولكن لا نرغب بالاعتراف بذلك، وداعش هي الربيع العربي وإن كنّا لا نود الاعتراف بذلك.

هل لي بالرد؟ سألت

فقال: لم اطرح وجهة النظر هذه لأعيدها على نفسي. أردت أن اسمع منك رأيك، ولا تظن أني متعاطف مع التنظيم أو أني أتفهمه. أنا أحاول تحليله وفهمه. داعش حالة ثورية كاملة: الرؤية، القيادة، التجييش، البقاء والتمدد، الحلول الجذرية الراديكالية..

فقلت: أود نقاش الفكرة بعيداً عن الشخص، فلا عليك لكن دعنا نتحدث عن طرحك. وفي حديثك عرفت الثورة تعريف الصفات لا تعريف الجوهر، نعم يغلب على الثورات العاطفة وعدد الدموية منها يفوق البيضاء السلمية وفي كلا الحالتين فأنت تجانب الصواب. وإليك وجه المقارنة:

• فإن أردنا مقارنة حديثك بجوهر الثورة وهو التغيير -إما تغيير كلي أو جزئي ومرحلي فالربيع العربي السلمي قام بذلك إلى حد ما. وإن أردنا أن نقيس الصفات فالثورات عشوائية تحكمها العاطفة، في حين أن داعش “تنظيم”
• فشل الثورة أو نجاحها لا يعني تجريدها من صفتها، وعليه حتى وإن سلمنا بفشل الربيع العربي فلا يعني أنه لم يكن ثورة على أنظمة أرادت الشعوب تغييرها.
• الثورات وإن كانت أحيانا حكر على طبقة دون أخرى أو فئوية من ناحية العمر لكنها أشمل من داعش، داعش وبالرغم من أنها تضم ناس من شتى الأصقاع لكنها أقل شمولا على سبيل المثال من الثورة الفرنسية، والثورة الإنجليزية. إذا أخذنا بالحسبان أعداد تنظيم داعش كأفراد، ومقارنة ذلك بتعداد المسلمين في العالم.
• الثورات تأتي بعدة أفراد ملهمين ثم تنتج في أدوارها الأولى قادة لا يعتد بهم، ومن بعد ذلك إما طغاة أو زعماء ملهمين. تنظيم داعش اصطلح على خليفة لخلافة قبل الانتهاء من هذا الدور الدموي الذي قلت بأنه مرحلي.
• داعش أقرب لحركة انفصالية تستخدم عنفاً ممنهجاً على عكس الثورات التي يكون فيها العنف عشوائياً.
• داعش وفي إقامته وفهمه للجهاد فهو يسعى خلف جهاد الطلب لا جهاد الدفع فقط، وهذا إن صح فهو ثورة على العالم بأسره وهو أمر محكوم بالفشل.
• وإن ذهب أحدهم بأن استهداف طائفة الشيعة في نطاق صراعاتهم ما هو إلا ردة فعل أمام ما يحصل من قتل وتهجير للسنة في العراق فإن استهداف الطوائف خارج نطاق “خلافة” داعش لا تفسير له سوى الرغبة بإثارة الفتن وتغذية الصراعات وفي هذا رغبة لنشر الفوضى أكثر من النزعة للثورة.
• ولنفترض أن داعش فشلت، وهذا شخصياً ما أراه بأن ينقلب هذا النظام على نفسه، فهل معنى ذلك أن نلحق فشل التنظيم في تحقيق ما يصبو إليه بنماذج ناجحة قد ينتجها الربيع العربي؟ لا تتسرع بالحكم على ما تراه حاضراً فعمر الدول أطول من عمر الإنسان.

صفق وضحك قائلاً: بعض من كلامك مقنع وآخر ما هو إلا تلاعب بالألفاظ لكن في العموم يجي منك..
بادلته الضحك وقلت: كلانا نصنف ونطرح أمور نظرية لا تؤخر ولا تقدم، فلنرجع للأدب. ويبقى السؤال لكم: داعش تنظيم؟ أو امتداد ووجه آخر للربيع العربي؟

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp
  1. المجد

    2015/07/29 - 08:54 م

    داعش دولة ، لا أعني انها كيان قائم الان وله علاقات دوليه ووو
    بل أعني بالضبط انها جاءت لتصبح دولة كالامويه والعباسيه وغيرها
    سبب خروجها الاستبداد ووو ولا أظن انها بديل او مكمل للربيع العربي لان افرادها يكفرون بالديموقراطيه ويكفرون “الاخوان المسلمين”

  2. حفصه

    2015/08/07 - 01:49 ص

    أخي الفاضل،
    مقالك أكثر من رائع وجعلني أفكر مليا في داعش والربيع العربي؛ ولكن الرابط التالي جعلني أتأكد أنهم خوارج ﻻ أكثر، إن كان ماتنقله لنا وسائل اﻹعلام صحيح عن تحركاتهم وتنظيماتهم.
    http://islamicsham.org/article/1554

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات