عامان، وبالرغم من قلة مفرداتك أنت عندي أفصح مما أنا عليه، يكفي قولك: بابا.. عور..هني. كي أفهم ما تحس به، وفي أي جزء من جسدك الصغير يعتريك الألم، ومما تشتكي. وبالرغم من قصر قامتك، أكبر فيك شجاعتك وشقاوتك، فأنت لا تبقي على شيء في منزلنا إلا وأتيت عليه “النتفه ولدك كسر كل شي” هذا ما تقوله والدتك يوميا. كل جزء محطم وكل شيء مهشم يسمع مني كلمة واحدة: فدا.. كله يفداك (لكن لا تقرب للكتب وإحنا بخير) بني هنا اعتراف مني قد أندم عليه: لا أود أن تهذب الأيام حس المغامرة فيك، كما فعلت بوالدك.
وحين اتفق مع من يقول أنك تشبهني إلى حد ما، ويشرح لنا العلم كيفية انتقال الصفات الجسدية من الجيل تلو الجيل، ويفسر بعضه انتقال الطباع أبقى ذاهلا لبعض صفاتي التي تلوح فيك. خذ على سبيل المثال اصرارك أن تسرق ضحكات من حولك، ونظرك للنافذة نحو السماء، وكرهك للنوم رغبتك في ألا يمر الوقت دون أن تحس به، وجلوسك على الأرض تستند للحائط وأنت تقلب في كتاب ما. وعل أكثر صفة أراها مطابقة لي هو ذاك العناد ورغبتك في التحدي، على أني لست قلقاً فالأيام كفيلة يا بني أن تعلمك اختيار معاركك.
تشعر بسعادة عارمة وأنت تضغط بأناملك الصغيرة على زر طحن بن القهوة وأنت تصرخ: COFFEE! تقترب من الكوب الساخن تضع فمك عليه، تضحك بشقاوة وأنت تقول: حار! ثم تجلس بجانبي أولا وفي حضني بعدها فلا تقنع إلا أن تكون بيني وبين الكتاب الذي أحمله. ثم تقول أعذب ما سمع رجل مثلي – يجذب من الحياة ما تعطيه لغيره دون مبالاة-: “بابا..حبك” قلها وأكثر من قولها، فكلانا شرقيان يدركان بأن هذا اللفظ سيصبح صعب النطق مع مرور الوقت، لكن سألمح الحب في برّك إن شاء الله، وفي عينيك. وحين تنظر إلي وتمد يدك نحوي قائلا: “أشيلك” وتعني بها أنك تريد مني أن أحملك، اسمعها بأذن العجوز الذي تعجز عظامه عن حمله فأقول: جعلك ذخر. لا بعد، والدك يشيل نفسه لكن فهمتك وسأحملك.
كنت أظن أن محبة إنسان بعد منيرة –أختك-ضرب من خيال، لكن حين أتفكر في سنتين من عمرك يا مشعل، وحين أكتب لوالدتك: ولدج يأخذ من قلبي اللي له واللي مب له يا أم مشعل. أعلم أنك نعمة أعجز عن شكرها.
حفظك الله وبلغني فيك.
المحب،
والدك.