عام يقربني إليك

إلى ما أكون عليه ذات يوم،

عام آخر يرحل، ويقربني إليك. عندما كنت صغيرا كنت تبدو بعيداً وصورتك مشوشة في خيالي، مثلاً كنت أحسبك تبحث عن الجاه، ومع اقترابي منك عاماً بعد عام خيل لي أنك تبحث عن الشهرة، نعم حسبتك تريدها وتلهث ورائها كما يلهث ورائها الكثير، لكن أدركت أنها في نظرك وسيلة لا غاية، تريد من الشهرة أن تحمل كلماتك وأفكارك أن تنتشر ضمن أناس تقيم لهم وزنا. هذه الدقة في معرفة ما أنت عليه، وما تريد، تتجلى في البلاء أكثر مما تتجلى في الرخاء. إذ تعلم أني رزئت بمصائب هذا العام اسقطت من يدي بعضاً مما كنت أحمله من قيم، ومعاني، وقيمة لأناس، ظننت أني لا أصل إليك إلا وأنا حامل لها. ولذعري، اعترف بأني حاولت أن ألقي باللوم على نفسي، أن أحملها تبعات أن يسقط مبدأ، أو فرد بعينه، أو مجموعة بأسرها من عيني، آلمني ذلك لكن الآن وأثناء كتابتي لهذه الرسالة، يتبين لي أن سقوط كل هذا مسألة حتمية، لأنها قناعتي بأننا نكبر حين نؤمن بأبطال يجسدون قيماً سامية على سبيل المثال، لكننا ننضج فقط حين يسقط هؤلاء الأبطال من أعيننا، فنرى عيوبهم، أو قل مساوئهم، وندرك أنهم ليسوا خارقين تماماً، بل يعتريهم الضعف البشري كما يعترينا. أضف إلى ذلك، أن المشي مع قلة ما أحمل على مر السنين يجعلني أعدو في السير، مختصراً الوقت الذي يفصلني عنك.  

 

 هل أنا وحيد في هذا المعتقد من وجود صورتين لنفس المرء؟ صورة حاضرة لما هو عليه، وصورة مستقبلية لما سيصبح عليه؟ لا أتصور ذلك، تبدو لنا ذاتنا في المستقبل بعيدة المنال، لكن مع تقدم العمر ندرك وإن كان بنوع من الإهمال وعدم الاكتراث اقترابنا مما سنكون عليه في آخر المطاف، يكفي أن نمعن في صورنا لندرك حجم تغير ملامحنا، فلم لا تتغير شخصياتنا وتتحور، وتبرز حيناً فتصبح أكثر جاذبية أو تتشوه؟  فعلى سبيل المثال كثيراً ما يُصوّر المجرم – ولا يتبادر إلى ذهنك بأني أعني المذنب، المسيء، أو المقصر بل المجرم الذي يقترف الشرور- بأنه وليد موقفٍ بعينه وعلى حين غفلة ومن دون مقدمات، واعتقادي أن هناك بذرة حملها طوال عمره، فسقتها الظروف وغذتها الخطوب ثم هي تثمر شراً في الموقف الذي تتجلى فيه ذات المجرم وما هي عليه.  

 

أظن أنني سأدرك هذه اللحظة، اللحظة التي سنلتقي فيها أنا في عقدي الثالث، وأنت في المستقبل كما أن هناك لحظة في عمر الدائرة حين تستوي البداية والنهاية خلال نقطة اكتمال رسم الدائرة. أحيانا يكون هذا الصوت همساً وعلّي أفقده وسط ضوضاء الحوادث، لكن الصوت يبدو جليا في أحيان أخر، إذ تلوح لي في اللحظات حاسمة حين يخبرني كل شيء أن اختار أمراً ما، لكنك تكتفي بأن تحدثني بأن هذا الخيار سيحيد بي دونك ويكون سبباً كافياً لأن اختار ما يقربني إليك. 

 

غاية ما أطمح له أن أدركك قبل أن يدركني الموت، حتى تصيغ كل هذه الأفكار على نحو أفضل مما أفعل في الوقت الحاضر، كما فعلت في صياغة هذا الموضوع إذ كتبت في البدء شيئاً مغايراً ثم ها أنا أمسح كل ما كتبت، وأعيد كتابة شيء كأنما يملى علي دون إرادة مني. لكنها كلمات وقناعات ليست غريبة عني، لمحتها طوال طفولتي وصباي فمراهقتي وشيعتها في شبابي..

 

حتى نلتقي ذات يوم فتمسك بزمام الأمور وبالقلم، دمت بخير وعافية.

 

مودتي،

 

أنت.

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات