صار "وصخ"

مبتدأ: عندما تفقد إنسانيتك، اجلس بجانب طفل واستمع إليه.

خبر:

تبلغ عنايته بمقتنياته حد الهوس، أنا أتحدث عن جاسم “أفكويو إغرس”1، أحد الشخصيات المحورية في حياتي: موسوعة المسلسلات التركية، والذي ما أن يفقد أعصابه حتى يقول: “لك العمى بهيك شغلات!”

كل ليلة في التاسعة والخمسين، يجلس جاسم “أفكويو إغرس” لينظف شاشة الآيباد، يضع الآيباد في علبته، يعيد شاحن الكهرباء بعد أن يلف سلك الكهرباء بكل هدوء، يضع الغطاء ويبدو سعيداً حتى يخيل لك أن أحدهم يعيد شريطاً مر بك! مشهد السعادة التي مر بها جاسم “أفكويو أغرس” حين تلقى هذه الهدية لأول مرة. ثم يمضي بضع دقائق في تنظيف هاتفه، ويضعه أيضاً في علبته، يبدو عندها فخور بهذه الثروة التي بحوزته. هكذا أيها السادة القراء، تمر التاسعة والخمسين مساءً من كل يوم في هذا البيت وفي ذاكم الحي. حتى مررت ظهر يوم ما، لأجد الهاتف في وسط “الحوش”، وقد تحطمت شاشته وتعفر في التراب. التقطته وأنا مستغرب لا يمكن أن يكون هذا هو هاتفه، هل لم تمر الساعة التاسعة والخمسين ليلة الأمس؟  دخلت البيت، جاسم ينظر إلى التلفاز، رمقني بلا مبالاة وهو ينظر إلى الهاتف بيدي. شككت، لوهلة. سألته: جاسم، هذا مب تلفونك؟

كان تلفوني، ليش جبته؟

زين شصار فيه؟

أوهو..صار وصخ. صار وصخ ما يتنظف.

من وصخه؟

ثم ذكر إسم قريب له، لم يبادله الود ذات يوم، أو عله بادله متأخراً.

طيب، شلون وصخه؟

شفيك ياخي؟ أوهوو… كلمني، اتصل فيني توصخ من داخل، عشان كلمني شنو ما تفهم؟

فهمت؟ ظل وجهه يحمل ضيقه بأني لا استطيع استيعاب ما يقول

حملقت مستغرباً كنت على وشك أن أشرح له أن الجهاز لم يتسخ لمجرد اتصال أحدهم على الشريحة التي يحملها الهاتف. لكن، لم أفعل. إذ حاولت أن استوعب المشهد، بعد أن قص علي أهل البيت أن جاسم ذعر حين سمع صوت المتصل، أنهى المكالمة ثم أنه أطفأ الهاتف كليةً وأخذ يجهش بالبكاء، وهو يضرب بيده شاشة الهاتف لأن الهاتف خانه وتلقى المكالمة! “ليش ما عرف التلفون؟” فتح النافذة وقذف الهاتف بكل بغض، وأمضى يومه باكياً.

لا أدري ما الذي جعلني أفكر بأنه محق فيما يقول؟ بأن بعض الأشياء قد تتسخ دون أن نتمكن من إعادتها لما كانت عليه، حتى إن زالت البُقَع، وطهرت الأدناس.

نظرت إليه: تدري؟ نجيب لك تلفون جديد وما يتوصخ إن شاء الله.

أمضيت يومي متمنياً أن تكون القلوب، نفس هاتف جاسم “أفكايو إغرس”

==

1 أفكايو إغرس: إسم وهمي، والظاهر من أحد المسلسلات التركية المدبلجة التي يعشقها جاسم لكنه يلقب نفسه هكذا.

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات