جزر و برتقال.

مقدمة: هذه ليست تدوينة تصدر من خيال سخيف مخيف، هذا واقع عشته و عايشته. و ليس به إية مبالغة فإن ضحكت أو عجبت أو استخففت فقد فعلت لذاكم الواقع الذي لا زلت لا أصدق أني مررت به و الذي يعكس ما يمر به الشباب أحياناً في واقع يبكي من شدة الضحك.

 

هرعت دخلت إلى المكتب مسكت بيده، شددت العقال منها و دفعته إلى كرسيه صارخاً : أذكر الله يا فلان. و الفرّاش يصرخ : “ما في ثمانية ما في ثمانية أنتا 7.. بس جزر بس جزر” و شخص من إدارة أعرف موظفيها لكن لا أعلم ما يفعلون؟ أو ما الذي سنفقده إن خر السقف على رؤوسهم و هم في أحد إجتماعاتهم الخمس كل يوم. رأيته يبتسم بخبث وازدراء و هو ممسك بكوب عصير برتقال.

ما الخطب؟ دخل المكتب رجل ببذة عسكرية

و إذ عناصر أمن – شرطة – تقتحم علينا المكتب فصرخت: و الله العظيم ما لي أي علاقة. فإذ بالشرطي ينظر إلي قائلاً : شفيك أنت؟

أنا؟ لا أنا شرطة، مباحث، مهمات، أمن دولة، مجلس عسكري – أما مجلس عسكري عندنا؟ ليه؟ اللهم دم علينا نعمة الأمن – أخاف من كل ما ذكرت سابقاً.

من صاحب السيارة الفلانية بلوحة رقم: XXXX  بهت صاحبنا الجالس و وضع عصير البرتقال : أنا يا حضرة الضابط.

أخوي في عليك بلاغ لأنك صاف سيارتك في قسم الزوار و أنت موظف..” و إذ برأس معلق في الهواء يظهر بشكل أفقي من خلف الباب و الضابط. “هذا أنت؟” صرخ الضيف و هم بموظف الموارد البشرية الذي استدعى الشرطة. المهم مسكت عقاله هو الآخر، و سقط عقالي عن رأسي فحملته و هربت إلى خارج المكتب و إذ بسمينة ذات ظل ثقيل تحدث صاحباتها التي يمشين خلفها : من متى يبيعون عقل هني؟

يا عدوة الجماعة؟ أعوذ بالله من قطار الفحم هذا الذي يمر و ينفث علينا سماجة بدل الدخان.   

 

انتابني شيء مثل اليأس مصحوب بالانتحار، ما الذي فعلته بمستقبلي؟ أحسن ما يمكن أن أصل إليه في هذه الشركة هو أن ينتهي بي المطاف كوني مديراً لسيرك عالمي (شنب عظيم، و قبعة طويلة، بنطال ضيق أبيض، و معطف أحمر،و مايكرفون و عصا)  ولجت إلى غرفة المكتب أغلقت الباب، كنت على وشك الانتحار بالمسطرة. لولا أن كان هناك ماء بكل مكان، ما الذي يحدث؟ أي فلم رعب هذا ؟ و إذ بالسقف متلبد بالماء و رشاشات الإطفاء و قد أطلقت و أوقفت نتيجة خطأ ما، فتبلل كل شيء حتى أجهزة الحاسب (ركز على أجهزة الحاسب سيأتي ذكرها فيما بعد)

 خرجت، و قد دخل أقوام آخرون لتنظيف المكان، ومعاينة ما يمكن إنقاذه. وقفت بالردهة، أحقاً هنا ينتهي المستقبل؟ و تتكسر الأحلام؟ جاء موظف يقبع معي في تلك الغرفة المبللة التي صارت سجناً يومياً يذكرني أني فشلت، لأن العالم غيرني و لم أغيّر منه أي شيء. كان يدير كفه و كأنه قد قبض على فنجان في الهواء، و راح يسأل: رائد، إيه دي؟

قلت له: يا أحمد، و الله لو كان غير هذا اليوم لجاريتك.

معليش بقى ما تبقاش كده.. بص إيه دي؟ و استمر بإدارة كفه كمن يحمل فنجاناً.

قلت: لا أدري.

فانفجر من الضحك، و عكس اتجاه دوران يده قائلاً : عكس دي!

أخذت بحك ذقني، و قلت : شافاك الله!

أي مارستان هذا؟ لو أن مصحةً  للمجانين أرادت جمع هذه الأصناف البشرية التي تجسد جميع أنواع الجنون لما استطاعات!

ثم أقبل زميل أمريكي –أتيت على ذكره بإحدى التدوينات – و هو مرتبك قائلاً : لقد داهمتني شرطية الآداب! لقد ضبطت متلبساً بجرم عدم لبس ربطة عنق، فهل تعتقد أنهم سيرسلون لي تحذيراً أو لفت نظر؟

 

 شرطية الآداب:هو لقب لواحدة قد عينت من قبل الموارد البشرية، لتكون عين المدير! فهي تبحث عن أي شي خارج عن حدود لباقة المدير! مثال: أجنبية لا تراعي المجتمع في لباسها، و أي واحدة متعطرة أو تضع مساحيق بشكل خارج عن الحد المقبول في ذهن المدير. وحده ربنا يعلم بما يدور في ذهن المدير!  

ثم قدم صاحب الجزر فقال و الدموع تترقرق في عينه: “يعطوني أنا عصير جزر؟ أنا أشرب كوكتيل يا رائد.. فخفخينا. آيرش كوفي، أنا أعرف عصير البرتقال قبل لاهم يعرفون حليب أمهم! أنا رايح أقدم أستقالتي، خل الجزر ينفعهم.” و ذهب ثم استدرك: العقال لو سمحت.  

“تفضل” مددت له العقالين، فتناول عقاله. و لم أره بعد ذلك إطلاقاً

نظر إلي الأمريكي قائلاً: ما الذي يجري بحق السماء؟

طلب عصير برتقال، و اتضح أنه موظف بالدرجة السابعة.

أوه..! لكن هناك الجزر!

نعم، لكن المذكرة التي أصدرها قسم الموارد البشرية بهذا الصدد لم توضح إذا كان هناك ضيف من درجة أعلى فهل يستطيع المضيف ذو الدرجة الأقل أن يحصل على نفس الامتيازات من المطبخ! و هذا ما حصل!

نسيت أن أذكر لكم بداية الجزر و البرتقال!  بما أن هذه المنظومة لم تفلح في ما أسست لأجله، فقد انشغل القوم في سن نظم ما أنزل الله بها من سلطان، فقامت الموارد البشرية بملء الثلاجات بما لذ و طاب لجميع الموظفين (مكاتب غوغل على غفلة) و لكن قسم المالية رد بمذكرة طويلة مفادها: أن الموظفين مفجوعين ومب شايفين خير، بدليل أن أحد الموظفين عثر في حقيبة عمله على بعض من الموز و هو ذاهب لبيته.. و كانت صدمة مديره كبيرة إلى الحد الذي صرخ فيه: تسرق موز يا قرد؟

لكن تدخلت الإدارة العليا، مقترحةً إدراج بعض العصائر للموظفين قاطبة و تخصيص عصائر و المشروبات الساخنة مميزة عند درجة معينة. و اتفق أن الشركة كانت تمر بمرحلة إعادة استراتيجية، فاقترح أحدهم الجزر لعدة أسباب:

–          السعر.

–          طول مدة الصلاحية

–          الجزر بالعادة غني بالفايتمينات خاصة فيتامين (أ) لتقوية النظر.

 

على أنه تم إحالة بعض الأمور الشائكة للجنة تنفيذية لمعرفة إذا كان النعناع مثلاً يمكن صرفه للجميع مع الشاي أو فقط للإدارة العليا. و أثيرت بعض التساؤلات المشروعة من قبل الموظفين حقيقةً :

مثال:

–          في حال ذهاب موظف من درجة البرتقال إلى موظف آخر من درجة الجزر “هل يحق لصاحب رتبة الجزر بطلب عصير برتقال؟” كما جرى لصاحبنا؟ و العكس تماماً فهل يحق لموظف من مستحقي الجزر أن يتناول عصير برتقال إذا زار موظفاً من فئة البرتقال؟”

 

اسئلة مشروعة حقاً! و البعض استدل بتزاور أهل الجنة – جعلني الله و من وصل لهذا السطر ممن يتزاورون فيها –  بجواز شرب عصير البرتقال إذا كان الضيف أو المضيف من أصحاب البرتقال.

ثم ظلت هناك بعض الإشكاليات، مثل ضم الفراشين إلى قسم الموارد البشرية لأنهم أول من يعلم بترقية موظف ما، لأن الموظف المترقي يجعل أول قرار له شرب عصير برتقال أمام بقية موظفي القسم، في حركة تتسم بنوع من الغرور أو مثل اللواتي يتلذذن بطعم شوكلاتة جاليكسي في الدعايات المتلفزة.  

ما علينا:

ثم أني وضعت عقال الآخر بيد ستيف قائلاً: أعطه لصاحبه، أنا ذاهب لأستنشق بعض الهواء. أنا ذاهب لسطح المبنى و لا أريد رؤية أحد إطلاقاً. ذهبت و هناك شاهدت شيئاً غريباً رأيت أناس يرقصون، و يحملون أشياءً يرجونها رجاً في حر الظهيرة من بعيد. قلت: علها طقوس دينية لبعض الوافدين، و أنا مع حرية الأديان. اقتربت منهم بغية الاطلاع و المعرفة، رجعت إلى مكتبي. حيث ستيف يلعب بالعقال قائلاً: تبدو محبطاً ظننتك تريد الاختلاء بنفسك؟

قلت : نعم. لكنهم يجففون الكمبيوترات تحت أشعة الشمس!  

 

ختاماً: أتمنى من الشركات الخاصة و العامة، أتمنى من الحكومات، و الأنظمة كافة أن تلتفت لأهداف أكبر و أن تعني برؤية أبعد نظراً. أتمنى أن تشرق الشمس ذات يوم فلا يفرقنا أي صغير لا ربطة عنق أو عقال، لا جزر أو برتقال..  

أتمنى..

 

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp
  1. مريم

    2011/11/05 - 11:49 ص

    How pathetic! أول ما خطر ببالي بعد إنهائي قراءة التدوينة.
    كنت أعتقد أن الشركات/جهات العمل، أماكن رسمية جداً. ما حدث هنا (شبه سيرك) فعلاً وأقرب للخيال، كما أنه يفسر الكثير مما يحدث في البلد. يبدو أن البرتقال أصبح جل الاهتمام فشغلننا عن الإنتاج.

  2. Fatma AlKhatib

    2011/11/05 - 12:55 م

    شر البلية ما يضحك , فعلا شغلهم الشاغل التدقيق على توافه الاشياء و تعظيمها للتغطية على الكبيرة منها و ابعاد الاضواء عنها , فأنا في مكان عملي تحاسبني المسؤوله عني (بريطانية الاصل اماراتية الجنسية) عن نوع القماش المصنوع منه بنطلوني و تتغاضى عن ما اتحمل طيلة اليوم من تعب و “كراف” و مقابلة المرضى بابتسامه و تكتب بريد اليكتروني و ترسله للمدير و هي جالسه على مكتبها مرتدية تنورتها التي تكشف اكثر مما تستر ، هذا واقع نعيشه و يتكرر في جميع المؤسسات و الشركات الحكومية و الخاصة (باستثناء جوجل طبعا) و في النهاية اقول لكم بصحتكم ، ليش شو فيه الجزر؟!

  3. a77med

    2011/11/05 - 01:04 م

    البرتقال والجزر نتيجة طبيعية لواقع نعايشه يكون فيه هاجس صاحب العمل التوظيف لغرض التوظيف من جهة،وهاجس الموظف الأول والأخير راتب آخر الشهر بغض النظر عن الإنتاج من جهة أخرى. شهادتي في مجروحة يارائد.

  4. Um3azzan

    2011/11/08 - 07:25 م

    والله قد يبدوا الموضوع خيالا ولكنه واقع الكثير من المؤسسات بإختلاف أنواع الجزر والبرتقال ..
    أضم لمن ناديتهم الموظفين أيضاً.. فبدل أن تشغل نفسك بما يحصل عليه جارك .. إهتم بإنتاجيتك لتكون انت من يحدد ما تحصل عليه

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات