أثمة شيء تريده من الله؟

إحدى عاداتي الغريبة هي أن اسأل من أوصاني بالدعاء بما يريد أن أدعو له؟

و تختلف الردود فمن مستنكر قائل: “استغفر الله! شتقول أنت؟يا أخي و الله حرام عليك” إلى سيدة فلبينية تسألني هلا سألت الرب بأن يهبني زوجاً وفي، وسيم، طيب، يصبر على عيوبي.

قاطعتها: سوف اسأل الله لك الجنة.

قالت: أريد زوجاً فتقول الجنة؟

قلت بدون تمهل: لأن زوجاً كهذا لا يمشي بين الناس، ولا أظن أن الدنيا بها اليوم ممن وصفت، فلا بد إذاً من وجوده في الجنة. زيادة على ذلك أنا لا أملك سوى الدعاء و ما تحتاجين لرجل مثل هذا إنما هو ضرب من ضروب المعجزات.  

تذكرت مرة حين سألني أحدهم بالدعاء له، فقلت: بم؟

قال و كان قد فقد ابنه مذ زمن ليس ببعيد يتهجد صوته: “أريد أن أرى ابني في المنام.. لا أكثر”. هل كنت مجاب الدعوة؟ لست ولياً من الأولياء أو بدلاً من الأبدال.  أحسب جميع هذه الدعوات تدخر لي في الآخرة. لكن، لو كان زنديقاً يمثل أمام هذا المُصاب في ابنه حينها لرجاه بنفس الطريقة. لقد عاقر الألم طويلاً حتى فقد رشده، و وجد في الأحلام ما يجد الثمل في خمره. يا لغرابة الأحلام، يفزع فيها الظالم و ينعم فيها البائس و يشقى فيها السعيد كم جميلة هي الأحلام حين نتساوى جميعاً.  غفر الله لي إذ خذلته يومها فجعلت جل دعائي أن يجنبني من البلاء ما لا أطيق. لا أذكر سوى أني رجوت الله ألا أدفن أي من أبنائي.

ثم هيأ الله لي زيارة بيته معتمراً فجعل يسألني زميل في العمل و قد كان أمريكياً فلوردياً (حلوة فلوريدياً و لويزيانياً و تكساسياً ) فسأل عن الكعبة و ما يفعل المرء إن زار البيت، فشرحت له ذلك شرحاً مبسطاً. (بعض الإخوان يدخل في الخلافات المذهبية، و يطلع لك بتفسيرات عجيبة لبعض العبادات: ليش سبع لفات مو  ثمان؟ و تصدق أن  العصافير لا تزقزق أثناء قراءة سورة الحمد، يعني ما أوصف لك كأنه حليمة بولند تكلمنا عن المصالح المرسلة، و الولاء و البراء.)

لكنه سألني أن أذكره في دعائي فقلت: ما الذي تريده؟

أجابني بأغرب شيء سمعته: أريد أن أعرف: متى أموت؟

 أخذتني الدهشة حاولت ترجمة : ليش يابوك؟ لكني سألت: هب أنه تراءى لك في المنام أنك تقبض في الغد، ما كنت فاعلاً عندها؟

قال بدون تردد و كأنما فكر في الإجابة مرات عدة: سأمضي يومي كله مع عائلتي، ثم أتوجه  إليه في آخر الساعات. لن أملك ما أقوله له،  لن أكون خائفاً بقدر ما أكون نادماً. هذا ما أعرفه.

ستيف، و كان هذا إسمه، فما أنت فاعل إن قيل لك تقبض بعد خمسين عاماً؟

قال: لن أفكر بالأمر إذاً، أنا أعلم أن كل ما هو آت قريب لكن خمسين سنة تمهلك لتأخذ من حظك هنا و في حياة أخرى إن كان هناك ثمة شيء كهذا.

عجلت فقلت بنبرة المتهم: غريب أمرك، تخشى الله ثم تشك في الحياة الآخرة.

لا، لست أشك فيها بقدر ما أرجو ألا أزج في النار هذا مكان مرعب بغض النظر عن الكتاب الذي تؤمن به. و قد أفوت فرصة الفوز بالجنة إن ضمن لي ألا أدخل النار. أتفهمني؟

أفهمك.

حييته كنت على وشك الخروج من المكتب، ثم التفت إليه منتبهاً: ستيف.

نعم. رفع عينيه اللتان كانتا تلتهمان العقود المتناثرة أمامه كالنار تلتهم الورق على عجل.

إن كانت سنة؟

عفواً؟

إن أمهلت سنة واحدة فقط، ما أنت فاعل؟

سحقاً، لا أدري. هذا أمر قاتل!

و ما القاتل فيه؟

لأني لن أبكي عاماً بأسره، و لا أستطيع أن أتوقف عن القدوم للعمل من أجل كسب لقمة العيش، و لا استطيع الغفلة عن شبح الموت في آخر العام.

قلت: إذن عش ما تبقى من عمرك على هذا النحو.

قال: أعتقد أنك صائب في هذا. أتدري عدلت عن حبي لمعرفة الموعد هذا، لكن هلّا دعوت لي شيئاً آخر؟

قلت: على الرحب و السعة.

فقال: هلّا دعوت لي بالصحة و العافية لأبنائي؟

أجبته بابتسامة شاردة: بكل ود.

ثم أنه جال بخاطري. تذكرته، ذاكم الرجل الذي لم يرد من الدنيا سوى رؤية ابنه في المنام فرثيت حاله.

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp
  1. Um 3azzan

    2011/04/05 - 10:30 م

    تدوينة جميلة .. قبل الله دعواتك جميعها باذن الله

  2. S A Sultan

    2011/04/06 - 01:32 ص

    مافي احلى من إنك تدعيلي بدون مااطلب منك. ترى هينه ما ابغي اللا الصحه والهدايه لاولادي

  3. أسامه العسيري

    2011/04/06 - 08:39 ص

    جزاك الله خير على التدوينة الرائعة …

  4. ابرار

    2011/04/06 - 10:25 ص

    من اسمى علامات صفاء القلب الدعاء بغيرك…لا حرمك الله الاجر اخي..

  5. layal

    2011/04/08 - 12:18 م

    عندما يطلب مني احد الدعاء – افضل ان ادخل البهجه علي ذلك القلب بدلا من النبش في احزانه – فهو لم يطلب الدعاء الا بسبب حزن او كدر او امر يتمناه قد يصعب الافصاح عنه

    في بعض الاحيان من الافضل ان استعرض وادعي الغباء فعاده نحن نعلم ولو 20% من رغبات طالب الدعاء والكثير يتهرب من قول ما بخاطره
    جرب وقول لهم سأدعي لكم بالتالي ( الله يعطيكم اللي في خاطركم)
    بوووه جوف ردت الفعل

    وضع نفسك في ذاك المكان ألن يكون وقع تلك الكلمه اقوي من ان يسألك احدهم ماذا تريد ان ادعي لك به ؟؟

  6. عائشة

    2011/05/23 - 10:37 م

    layal

    الصراحة أنا أخاف لما حد يدعي لي “الله يعطيج اللي بخاطرج”

    يمكن عقده نفسية ما أدري،،، بس اللي أعرفه أنه

    ما كل ما يتمنّى المرء يُدرِكه *** رُبَّ امرئ حَتْفُه فيما تمناه

    عشان جي الدعاء عندي مشروط

    “الله يعطيج اللي بخاطرج إن كان خير لج”

    الله يرزق كل واحد فيكم اللي يتمناه إن كان خير له،،، آميــــــــن

    كل الشكــــر لك أخي رائد

  7. جزر و برتقال. « كــــــــــــــــلمتكم

    2011/11/05 - 12:45 ص

    […] أقبل زميل أمريكي –أتيت على ذكره بإحدى التدوينات – و هو مرتبك قائلاً : لقد داهمتني شرطية الآداب! لقد […]

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات