مسبحة و أمريكية.

مبتدأ:

رأى بعضهم الجنيد معه مسبحة فقال له: أنت مع شرفك تتخذ مسبحة؟ فقال: طريق وصلت به إلى الله لا أفارقه.

خبر :

لم أكن من أولئك الذين يقطنون نيويورك بناطحاتها، و لا لوس أنجلس بصيحاتها أو ميامي بشواطئها. كنت أقطن بقرية صغيرة إن قيست بغيرها، حيث يذهب الجمع إلى الكنائس كل أربعاء ليحضروا الدروس و كل أحد ليحضروا القداس. حيث الرجال يحيون بعضهم بإيماءة من رؤوسهم و النساء يتناقلن كل كبيرة و صغيرة في صالوناتهن.

حدث ذات يوم أن اصطحبني صاحب لي في المجمع الوحيد لنا ليشتري شيئاً بدافع الملل و لم أجد ما يشغلني حينها – هي سنين قضت في مخالطة الناس أكثر من مخالطة الورق، و لست آسف عليها بالقدر الذي أمتن فيه لها –  فلم أجد مانعاً في الذهاب معه إلى لا وجهه

.

أخذت المسبحة معي، ثلاثين حبة أعد بها لا شيء و ثلاث حبات أذكر الله منتبهاً و قد كانت من الخشب فبدا عليها آثار الرهبنة و لم يبق لي سوى أن أنزع ما علي من الثياب فألبس مسوح الرهبان. لم أكن حقيقةً بالمبالي بمظهري فكانت لحيتي على الوجه الذي تحسبني فيه  (بتاع ربنا و سيسلم المول على يده المباركة و سيهوي الناس يريدون تقبيل يدي و أنا أصرخ استغفر الله يا ابني منك له)

تعال منّا.

ابشر يا عمي الشيخ! قلت متهكماً لصاحبي الذي فارق وطنه بجسده وجوازه، و لم يتغير في طباعه شيء من بملاحظة كل من يلحظه قدراً أو قصداً.

“يا شينك! اثرا الشباب عليهم محاضرات، و لا أنت آخر من يجي معي.” و الحقيقة أنه لم يكن يعني أياً مما قاله، لكن عرفت و إياه بالمزاح فكان هذا الأسلوب الملتوي هو الأسلوب الوحيد الذي يستطيع كلانا التعبير فيه عن مدى متعتنا بالصحبة.

 إما بحسنة أصبتها أنت أو بذنب قارفته أنا.

خف علينا! يا بركة.

أكيد يا ثقيل الظل.

ولجنا إلى المحل و جعل يقطف الملابس بمهارة مزارع اعتاد حصاده لعقود من الزمن و سأل البائعة العجوز عن أماكن غرف التبديل فلحظتني و بدت شاردة ثم انتبهت فأشارت إليه فذهب و جعلت تصطنع ترتيب البضائع بجانبي، قلت علها تحسبني أهم بسرقة شيء؟

لكنها بادرتني : هل هذه مسبحة في يدك؟ أتذكر يسوعاً بها؟ هل أنت كاثوليكي؟

أيوا… طلعيني من الإسلام يا روح أمك! هكذا فكرت.

و جاء صاحبي من بعيد يسرع في المشي و انقلب مشيه هرولة حتى وصل و لم أنطق حال وصوله إلا ب: لا!

هل من مشكلة؟ سألها.

“نعم” أجبت ببرود : أنت!

ضحكت هي، و عبس هو في وجهي ثم قالت : كل ما في الأمر أني رأيت هذه المسبحة في يده فأردت أن أعلم المزيد عنها.

استهل و هو يرمش بعيونه : في الواقع – أنا شديد التطيّر من أي عربي يتلفظ بهذه الكلمة بأي لغة كانت – ثم شرح أذكار الصباح و المساء، و أذكار النووي مع التنويه بوجود الضعيف منها و هي لا تكاد تعقل شيء سوى كلمة إسلام، ثم استغل هذه الفرصة في بيان خطأ عقيدة النصارى و في أن المسيح – عليه السلام – لم يصلب، و لكن شبه لهم. ثم أحس بالتعب فالتفت إلى قائلاً : يا أخي أنت تعرف حق “هالسوالف” كلمها و انصرف ليجرب المزيد من الثياب.

يتبع.

  

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp
  1. إنسان

    2010/02/09 - 02:32 م

    في انتظار ما بعد ( يتبع. ) .. :)

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات