من تموت؟

 

في بلد:

ما الذي يدعوك بالجزم أني لن أموت هذه المرة؟

لا أدري.. لكن أنا على يقين من أن الحياة ستطول بك و ستنعمين بعدها بالصحة و العافية إن شاء الله، سيكون الأمر بمثابة سحابة صيف تنقشع، سيجعل هذا المرض منك أشد صلابة و أقدر على مواجهة الحياة. كالتطعيم تماما.

نهضت بالرغم من وثارة مقعدي، و لذة قهوتي و حسن استماع محدثتي. مضيت و شأني لكن بات الأمر محيرا. ما الذي يدعوني بالتشبث بالأمل و هي تصارع السرطان؟ ثم إني نسيت الأمر برمته، فالدنيا تشتت الفكر و تبعثره.

في بلد آخر:

 بعد أشهر سافرت، أغلقت السماعة و أنا أحلف أغلظ الأيمان أني سأفعل وأرجوها ألا تقلق فإني منفذ أمرها. كانت خالتي قد علمت بتواجدي في تلكم البلدة فسألتني أن أدفع لفلان من الناس مبلغا قائلة : ابنته مريضة بالسرطان. فادفع له كذا من المال ولا عليك فإني أسد المبلغ حال رجوعك.

استغرب عدم تحويلك هذا المبلغ إليه عن طريق البنك!

أصلحك الله هؤلاء أهون على البنوك من أن يمتلكوا حسابا به.

ذهلت! أكاد لا أعرف أحدا إلا و عنده Blackberry  أو iPhone وهذا لا يملك حسابا؟ أي عدم هذا؟

تكبدت عناء تدبير المبلغ، بعد أن اتصلت به و واعدته في بهو الفندق الذي انزل به. رأيت شبحاً ممسكاً بيد شبح آخر صغير. اقتربت منهما، سألت : إبراهيم؟

ابتسم على استحياء:  نعم.

رجل بالأربعين من عمره، لا أستطيع وصفه سوى بأنه واحد من هؤلاء الملايين الذين تقابلهم فلا تكاد تلقي لهم بالا.

و هذه “الأمورة” مريم؟

عيناها تتفحصان كل شيء بالبهو خلسة و كأن السادة قد حفروا في ذهنها ألا يحق لها حتى النظر إلى أشيائهم و أي أثر دل عليهم. رفعت رأسها و قد انتبهت لذكر اسمها. فتاة في الثامنة عيناها تفيضان شقاوة و تنضخان بالمرح. جسدها مخرق بآثار الإبر، و تقرحات هنا و هناك و جروح لا أدري أتندمل أم لا؟ بدت منهكة حتى لمت والدها لاصطحابها معه.

“كانت تفكر أن الوالدة جاية معاكم”

و قد عنى خالتي، لكني لم أجد سببا لتصحيحه فهي والدتي الثانية كما تدعوها أمي.

شرح لي حالتها “لوكيميا” و أنها تحتاج لثلاثمائة وخمسين ألف ريال لتتم زراعة النخاع من أخيها.  

سألته : هل خاطبت جهة ما؟

“اعطوني ثلات آلاف و خمسمية،  أنا و الله ما أبغى فلوس لي حولوها على المستشفى.. “

انعقد لساني تذكرت إحصائية عما أعطي لدولة مجاورة و لن أقول شقيقة، و لم أجد سوى الدعاء له و لابنته ثم أمعنت النظر فيها:

اعتذرت له بعدم مقدرتي على الإطالة وذلك لترتيبات سابقة. دفعت إليه النقود ثم لم أملك إلا أن أقبّل جبين هذه المعدومة و اعتذر لها على هذا المشوار الذي تكبدته.

شيعتهما، و فكرة واحدة تأسرني : ستموت هذه لا محالة و كل ما نفعل من مساعدات مجرد صب ذنوب (أي دلو ماء لم يمتلئ) على نار مستعرة لا تخمد إلا برماد فؤادي والديها. رقيت المصعد و كنت أتمنى أني لم أر وجهها و لم أعلم بحالها. تملكتني رغبة في البكاء و أنا أحس بالعجز أمام هذا كله.

 

تحديث:

 

اتصل بي إبراهيم قبيل أيام.

يا مرحبا و مسهلا.

كيف حالك يا شيخ رائد؟

لا تشيخني، أنا أخوك الصغير بشرني و شصار على البنية؟ إن شاء الله أحسن؟

البنية.. و أخذ صوته يختنق بدموعه و رأيت نفسي اختنق معه. البنية.. و الله بالإنعاش نزيف بالمخ و جالسين يحاولوا فيها. يا رايد أنا ما أبغى غير إني أشكر لكم وقفتكم هادي معانا و الله ما أنساها لكم..

أي وقفة يا ابن الحلال؟ و الله حق عليك تلومنا حن إخوانك و ما فدناك بشي.

أبد و الله ..

ودعته و أنا اسأل الله المعافاة له ولابنته و لا أدري بأي وجه هو مستقبل هذا العيد.

أدركت بعدها أن الحياة قاطع طريق لا يهجم إلا على الضعفاء، يسلبهم أعز ما لديهم  ثم يبتعد عنهم و لا يقدر على السادة الذين هم في منعة منه بل يتذلل بين أيديهم و يطلب النوال منهم و يعطيهم أكثر مما يأخذ منهم.

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp
  1. Haya

    2009/09/20 - 11:41 ص

    Post-Reading Thought: Felt like the most self-centered, tiniest lil creature on God’s earth for thinking my Eid sucks.. all prayers to this family. May Allah give them the patience & Ajer. Jazak Allah Khair for sharing

  2. Mariam

    2009/09/20 - 10:17 م

    I have no comment. All I have is a stream of prayers to every single person u’ve mentioned above and to everyone else in this dieing earth.. Alla yshfi mar’6ahum, o yr7amhum o y9aberhum 3ala ma balahum…

    Allahuma al6ef behim, o be jamee3 elmuslimeen..

  3. اَلْجُمَآنْ..

    2009/09/20 - 10:33 م

    تمنيت أن لم
    تصر على الوصل لِـ مدونتك بعد هذا الكلام ..!

    قلتُ في نفسي أنا في عيد ..
    لكني تداركت نفسي .. بَـ أن عيدنا ( واحد ) !

    أعترف بأني تأثرت ..
    وأن قلبي يتفطر
    عسى دعواتي تفي
    ولا تقل بأنها ( تموت )

    رَبُك أقدر واحكم

    Haajaar

  4. XxQueenaxX

    2009/09/21 - 06:07 م

    hey,,
    the thing with cancer is either you wait and hope or just wait. You wait and hope they gt well or just wait till they give up and leave. I’ve experinced that with grandpa and its really awful ,, so I hope she gets well soon and be healthier too :)

  5. Raed

    2009/09/22 - 12:16 م

    Hey heya,

    hope you are fine, Happy Eid. I think you have gotten the sole of what I was aiming at.. am glad you did.
    Your Eid can’t be as bad, and Inshullah it won’t be.

    so …

  6. Raed

    2009/09/22 - 12:21 م

    Mariam,
    well, true I feel the same way and my heart goes out to them all. But, I can never deny the outrage in me as I read stats of billions being spent in lost causes (Lebanon billions really? No really?) when their exists suffering and pain amongst us. Pain that could be eased with money..

    that outrage is what made me write this. This unfairness that many are projected to in the name of greater picture by those who have the ability to make a difference is what I loathe

    Oh thanks for passing by 😛

  7. Raed

    2009/09/22 - 12:27 م

    هاجر..

    “و ما ذلك على الله بعزيز.” قلبي يتفطر لأني في أقل من أسبوع كنت على طاولة اجتماعات و إذ بالمقاول يتبجح بإقامة قصر ما (و الله لو نطقت بكلفته لرميت بإحدى اثنين إما الكذب و الجنون) هدية من ثري لآخر! لست ماركسياً شيوعياً أطالب بتسوية الناس و لست مثالياً أنشد محاربة الفقر.. لكن حين ترين و تعيشين كلا المشهدين يتغير شيء عزيز عليك بداخلك، و تفقدين أي أمل في تغيير حقيقي ينتشل المجتمع مما فيه.

  8. Raed

    2009/09/22 - 12:33 م

    Queena,

    Allah yer7mah. but when my grand father passed away (allah yeghfr lah) all of us felt that we did our best. My worry is there many girls out their like Mariam who need help, what would their families think towards those who didn’t when they could’ve?

  9. whatever

    2009/09/23 - 04:03 ص

    Allah yshfeha o yjzak 5air . .

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات