زميلي الحصان، و سيادة الكلب.

هناك تجارب يخوضها المرء، و مشاهد يعاينها، و خطب يسمعها أو كلمات يقرأها تحفر في ذهنه و تبقى متعلقة به تعلق الطفل بأمه في الزحام.

و عل تجربة دراستي بالولايات المتحدة نقطة تحول في حياتي، لا إلى الأحسن أو الأسوء بالضرورة بقدر ما هي منعطف في حياتي تغيرت من بعده أبداً. و من تلكم المشاهد المغيرة لما بعدها ما حدث أثناء ليلة من ليالي العطل أثناء إقامتي بمدينة أوستن، بولاية تكساس حيث كنت أمشي و أصحابي في الشارع السادس حيث يجتمع الناس من كل حدب و يقصدون هذا الشارع المكتظ بالمراقص و الحانات. يعلم الله أني لم أكن من رواد تلكم الأماكن (طلع إشاعات أنت و إياه) بقدر ما كان يروق لي مظهر الناس و الباعة و الجمهرة و مطعم IHOP  المفتوح على مصرعيه على مدار الساعة.

و أثناء المشي، تهاوى إلى أسماعنا نبأ جريمة قتل! تخيل معي مراهق خليجي في السابعة عشر من عمره، من مجتمع هاديء نسبياً يسمع بجريمة قتل على بعد خطوات! أكد ذلك وجود سيارات الشرطة و اندفاع رجال الأمن مشياً و على الخيل إلى حيث مسرح الجريمة. اندفعت إلى حيث جمهرة الناس لأن الأمر كان مشوقاً يدفعني بذلك تماماً ما يدفعكم لرؤية الحوادث، أو الكوارث على شاشات التلفاز أو عبر شاشات الحاسب. أليس ال”شر” جزء من البشر؟  

بالكاد رأيت المجرم و قد تلطخت ثيابه ببقع دم طفيفة يدفع بالشتائم قبل الأيادي إلى شاحنة تبدو من الخارج و كأنها قد عدت لأغراض متعددة و لكن ما أن تلقي بنظرة خاطفة إلى أحشائها حتى تتيقن أنها ما أعدت إلا لأن تكون قفصاً. فالعواميد المثبتة و السلاسل المعدة و الأصفاد المثبتة بالهيكل هي نتاج حسابات لتفادي أي شيء سوى أن يزج المجرم من بعدها في قفص أكبر منه.

لاحت مني التفاتة نحو جواد يعتليه شرطي و قد أخذ يدفع الهواء من منخريه في تقزز و قرف مما يدور حوله. و إذ بشاب هندي قد اكتفى من مشاهدة ما يدور حولنا و أخذ يخاطب أصحابه و رفيقاته فرفع ذيل الجواد و هو يلفت انتباههم ضاحكاً، حتى هذه اللحظة و قبل أن ينتبه رفاقه لم يعلم بالأمر من أهل الأرض سوى ثلاث أنا و الشاب الهندي و الجواد.

لكن سرعان ما تبين لي أن رابعاً كان على علم بما يدور حوله : و عندها ارتطم جسد هذا المنحوس بالعربة و أخذت رجلاه ترتفع شيئاً فشيء من الأرض، و لشؤم طالعه لم يكن صاحب هذه القبضة الفولاذية سوى رئيس الشرط بنفسه. رجل أصهب ضخم، عظيم البطن كان يأمر من حوله ممن هم دونه في الرتبة دون أن يذعر للجريمة أو يتحمس بفعل الأعين التي ترقبه. حسبت الأمر كله جزء من مشهد سينمائي تمرن كل فرد فيه سنوات عديدة، حتى المقتول أتقن من وقوعه جثة هامدة بلا حراك.

 

   أخذ يصرخ و عيناه تقدحان شرراً : أتدري ما أنت فاعل أيها الصبي؟ قالهاً بتكرار و بسرعة و كان الشاب الهندي المعلق من رقبته يهز رأسه ذعراً. فأكمل هذا العملاق : أنت تتحرش بشرطي. تماماً كما لو أنك تحرشت بأخد زملائي، أثناء تأدية عمله. ألأنه لا ينطق؟ ها ؟ قل لي بربك ما الذي دعاك لفعل هذا ؟ هل تريد التحرش بي؟ ها ؟  

صرخ بأحدهم فأقبل شرطي مذعور هو الآخر من غضب رئيسه فاعتقل الشاب وسط بكاء و رجاء الفتيات بأن يُطلق سراحه دون جدوى و مضت الأيام تجر من بعدها الأعوام و أنا أسأل :

هل بالغ رئيس الشرط حينها؟ أم كان هذا هو الرقي في الإحساس بمشاعر الآخرين؟ ليتني أرى مشهداً في أوطاننا العربية قريباً منه.  حتى من الله علي بمشهد حدث قريباً بأحد البلدان حين وقفت سيارة الأجرة أمام مدخل الفندق و قد أطفأ السائق محرك السيارة و أشعل سجارته و هو ينظر للكلب الذي يبحث عن أي شيء سوى المتفجرات.

شوف سيادتك الكلب ده.

ما به؟

ده بيقبض أكتر من الحمار اللي ماسكه أصله بياخد تمان تلاف – أي ثمان آلاف- و الحمار ده  (أي الحمار ده) بياخد ألف و نص يا باشا.

ثم ضحك عالياً حين نبح الكلب و اختلطت قهقهاته بالدخان المنبعث منه و هو يقول : حقك علي يا سيادة الكلب يا ابن الك..

تنويه :  عذراً لانقطاعي لم يمنعني سوى التحضير لامتحان اليابانية، و قد انتهيت منه و الحمد لله.   

 

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp
  1. Driver

    2009/06/24 - 10:45 م

    كنت أود أن أكتب عن حادث مشابه هنا، لكن عجزت ذاكرتي عن تلفظ أي شيء، و لا أتوقع أن يكون بلدي و لا أي بلد إسلامي عربي آخر خاليا من هكذا شخص،

    بالتأكيد ما فعله رئيس الشرطة (أو أيا كان) أمر يستحق الاشادة إن كان فعلا يقصد الدفاع عن “الحصان”، لكن ذلك في حد ذاته سيعتمد على نظرتك للأمر،

    تدوينة ممتعة، و بانتظار المزيد

  2. Haya

    2009/06/25 - 08:58 ص

    Albert Einstein would be very upset if he reads this, but what the hell. It’s all about relativity – simply: everything is relative. We go by the norms we were brought up on and those norms differ between countries, cities, genders, families and individuals. What seems to be an over-reaction by an outsider, is considered as a minimum reaction by an insider. Looking at the police officer from a time, location and cultural distance, whatever he has done was justifiable even if my simple mind fails to justify it because everything is relative.
    P.S. Police officer riding a horse.. hmm What century did you go to skol!

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات