من النعم التي نغفل عنها.

كي تستفيد حقاً من هذه التدوينة : الرجاء أن تتركها الآن و شأنها… اقرأ  بداية سورة البقرة إلى قوله تعالى ” المفلحون” و انظر كم من الوقت استغرقت في قراءة تلكم الآيات.. ثم اقبل على التدوينة فاقرأها.

 

حدث ذلك بعد صلاة المغرب في مسجد المدينة التي كنت أدرس بها بالولايات المتحدة الأمريكية،. ذاك أنه فرغنا من صلاة المغرب، فإذ برجل ذو ملامح شرقية في الأربعين من عمره أو ما يقارب يقف و يسأل المصلين أن يعطوه قليلاً من الوقت، خلته واحداً سيسأل الناس و يستجديهم فهممت بصلاة السنة لكنه بدأ بقراءة (ألم، ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) فجعلت استمع إليه أثناء صلاتي و هو يتلعثم و يجاهد نفسه ليصل إلى كلمة “المفلحون” و كأن كل حرف جبل يرتقيه فلا يهبط منه حتى يصعد ما هو أعلى منه و أوعر، ففرغت من الصلاة و أنا مشدوه مما أرى! لم يكن بعد قد بلغ كلمة “المفلحون” و أخذت دموعه تسيل على خديه كأنه يتألم لعجزه عن إتمام هذه الآيات ، فقلت في نفسي: أعجمي ترعرع في بلاد الغرب و ليس يجيد قراءة العربية بالرغم من أن سنه يرجح نشأته بموطنه أولاً  إما بالهند أو باكستان،و جعل الناس يساعدونه على الانتهاء  فلما فرغ نظر إلى الجلوس، فقال:  

“لم أسلم الأسبوع الماضي.” و ابتسم خجلاً.  ” لقد كنت ماهراً به، و كنت أجيد تلاوته إذ حرص آباؤنا على إرسالنا إلى المساجد صغاراً لتعلم تلاوته” و قد لفت انتباهي حرصه الشديد على المصحف،  قد يهيأ لنا أننا نحرص جميعاً إذ نحمله لكن الكثير منا أشد حرصاً حين يحمل تحفةً ثمينة منه حين يحمل مصحفاً بيده.   

ثم أتبع : “أنا مسلم مذ ولادتي و الحمد لله، و قد عرفت الله اتباعاً لا اقتناعاً. ثم قدمت إلى أمريكا بغية العمل، و عملت بائعاً في إحدى البقالات لأحد أقربائي فكان ضمن ما أبيعه الخمور كما تعلمون و كما يتم في جميع البقالات و كنا نكذب على أنفسنا فنقول : نضعها في حساب مصرفي آخر و ننسى أمرها، ثم زين الشيطان لنا أعمالنا فأخذنا ننفق على الفقراء ببلادنا من تلكم الأموال، نبني المساجد و دور تحفيظ القرآن، نكفل الناس و نرسلهم للحج و نغفل أن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، ثم إذ بنا نخلط أموال الخمور بأموالنا فصار طعامنا و شرابنا حراماً في حرام.”  

“و في ليلة أقدم أشخاص على سطو المكان فأطلق أحدهم طلقةً من مسدسه ثقبت ما ورائي، خفت..تراعدت فرائصي قلت هذ نذير من الله فعليّ أن أتعظ و أن أتوب عن بيعها لكنها مجرد أيام أدركتني الرقة خلالها، فحافظت على الصلاة و الأذكار ثم عدت بعدها و كأن شيئاً لم يكن. هل أتعظت؟ أبداً !”

“و مرت الأعوام حتى تم سطو آخر و مرت الطلقة هذه المرة بجانب رأسي، غبت عن الوعي و استيقظت و إذ بالأطباء من حولي يتفحصون رأسي  و يسألونني أن أحرك أطرافي، و يومضون الأنوار في عينّي . بقيت في الفراش أسابيع تجرى لي فحوصات عدة، أخبرني الأطباء أن كل شيء على ما يرام و أني أستطيع مزاولة حياتي اليومية مع وجود صعوبة في القراءة، و هم لا يدرون إن كان هذا بفعل الطلقة، أم الارتطام بسطح حاد أثناء وقوعي على الأرض. “

“أنا.. أنا اليوم” و احتضن المصحف.

سكت، تراعد صوته و اغرورقت عيناه..

“أنا اليوم محروم من قراءة هذا الكتاب،أمضي دقائق عدة حتى أقرأ نصف الصفحة جاهداً (كان قد أمضى عدة دقائق ليقرأ ما سبق ذكره) و قد كنت استطيع قراءة صفحات و أجزاء إن أردت، لكني اليوم لا أستطيع و إن أحببت. ثم جهش بالبكاء كالطفل و هو يمسح دموعه بساعده قائلاً : اقبلوا عليه واقرؤوه و لا تكونوا مثلي. أنا.. أنا.. اليوم لا أملك سوى التعلق بهذا الكتاب و الدعوة إليه عل الله يغفر لي.”

هناك فقط عقلت ما قال ابن عمر- رضي الله عنه- :  وخذ من صحتك لسقمك ومن حياتك لموتك.

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp
  1. محمد الجابري

    2008/09/22 - 02:57 م

    مؤلم :( ..

    أشكرك أيها الفاضل

  2. كروكودايل

    2008/09/22 - 03:28 م

    جزاك اله خير حقا قصة مؤلمة وفيها عظة وعبره

    لكن هل من معتبر

    جزاك الله خير على إراد هذه القصة باسلوب جميل بارك الله فيك

    تحياتي لك

    محمد

  3. Photon

    2008/09/23 - 03:17 ص

    يالله ..
    أليمه ..
    بكيت :(

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات