هذا ما حصل حين أردت العمرة.

قد اتفق أن نقوم و بني عمومتنا و صحبنا بزيارة بيت الله الحرام في رمضان من كل عام لشرف الزمان و المكان معاً في آن واحد. هذا و قد ألف بعضنا الأمر إلى الحد الذي بات فيه زيارة بيت الملك أمراً يقينيا متحققا كل عام و لا شك.

و قد أراد القوم هذا العام أن يقبلوا على الملك في فوج خاص بهم أعني طائرة خاصة دون أن يختلط أحدنا بفقير هنا أو مسكين هناك، دون أن يبتسم أحدنا في وجه غريب أو يساعد عجوز أثقلها حملها. و قد أتت ليلة السفر و كتبت صبيحة يوم السفر لكم أبغي عفوكم عن أي شيء تسبب في غير مودتكم إلا أن كلمني أحد خوالي قبيل الصلاة فقال: صل الجمعة و بعدين نشوف شبصير.

شبصير؟

أوه أنت ما تدري؟ الطائرة متعطلة في جدة و السبب أوراق تراخيص.

اكفهر وجهي، انقبض صدري فكأن الواسعة استحالت سجنا ما الذي يعنيه هذا كله؟ لا مكة ؟ لا حج مع النبي عليه الصلاة و السلام؟

انتبهت فقلت موبخاً : “قلت لكم ما شأننا و الطيارة الخاصة؟” فقد كنت أعارض هذه البهرجة و أرى أن يقوم المذنبون بالاختلاط بغيرهم حين يزار الملك، إذ يصدر عفو عام بشأننا جميعاً ببركة أحدهم، أما أن يقوم المذنب بالزيارة في فوج خاص هذا ما أسميه سبهلله!

صليت الجمعة، منكسراً حزينا لا أعقل من كلام الخطيب حرفاً وهمي كله : مكة! انتهيت من الصلاة توجهت للبيت استرجع حتى سألت نفسي: أبذنب قارفته أم جرم ارتكبته منعي الله من زيارة بيته؟ خانني الصبر و لازمني الجزع و الحزن.

و أقبل موعد الإفطار..، في مثل هذا الموعد كنت أفطر و أنا أنعم بالنظر لرؤية البيت و اليوم أنا حبيس شؤم معصية! أقبل خوالي حسب ما تقتضيه العادة. كنا جلوساً يخيم علينا الصمت، أذكر أني كنت متجهاً إلى المجلس حين نادتني إحدى خالاتي فضمتني إليها معزية “خيّرة و إن شاء الله انكتبت” همست: “إن شاء الله مو بذنب..”

هي حرقة في القلب، لا غير. هي شيء يهونه عليك الناس و هم يعلمون عظم مصابه في عينيك، و مما زاد الأمر طامة محاولة أحد الضيوف أن يهون مصابنا فجعل يضحك و ينكت و أيم الله وددت لو صرخت حينها : “بس اسكت! أمسك مصحف و اسكت..” لكني لم أفعل انطلاقاً من قول أحدهم : لجل عيون ترخص مدينة.

كل من أراد السفر يومها بدا ذاهلاً “ليش؟” “نظرب الخط و الله ييسرها؟” اقترح أحدهم في يأس. “الفندق محجوز.. 1600 كيلومتر تقطع في 15 ساعة.”

لا، يا أخي.. دعك من هذا.

رائد، ها ؟

ما في أمل من الطائرة؟ سألت و قد خامرني اليأس.

لا.

“ليتكم قلتم لي. كنت مسؤولاً عن هذا الأمر كل عام فاستأمنتكم عليه فأفسدتموه” قال آخر عاذلاً.

و ثمة شيء فإن الوحيد الذي بلغه الله مكة من بين جمعنا هو من حجز تذكرة عادية فوصل و بقينا نحن، يعني من ترك البهرجة والحجي الفاضي!

الغريب في هذا كله أننا لم نرد أن نفرغ حقائبنا، متعلقين بأوهى سبب و أبعد احتمال، حتى لو قيل أن ولي من أولياء الله يطير في الهواء لسألته أن يطير بي إلى مكة.

أذن العشاء.. ذهبت للمسجد،فأعلن المؤذن أن الشيخ العريفي اعتذر عن الحضور اليوم لإلقاء درس بأحد الخيم الرمضانية.وقع علي الخبر وقعاً شديداً. لا حول و لا قوة إلا بالله، و الله ظننت أننا لو اقترعنا يومها لخرج سهمي في كل مرة. غالبني البكاء : دعوت كما دعا كل رجل منا يومها : اللهم لا تحرمني من زيارة بيتك.

ما استطعت إكمال صلاة التراويح، رجعت للمجلس فجلست وحيداً. جاء أحدهم فجعل يلوم الطريقة التي قمنا بها بتوسعة الأمر حتى كان الشيء بمثابة حملة للحجيج..

يتبع…

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp
  1. ورق مخطط

    2008/09/11 - 04:13 م

    بأنتظار التتمة…

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات