قال المؤلف رحمه الله، اللي هو أنا، : و كسبها أي القلوب لمن الرزق الذي يحسد المرء عليه، ففيها رفع الشأن في الدنيا و بها يستظل المرء بالآخرة. والناس من هذا الفن في تفاوت واختلاف فمنهم من لا يحسن إلا كسب الأعداء و تأليب الأحباب لا لشيء سوى لآفة بنفسه و عجز بداخله. و منهم من يغرف من بحر، فجل أفعاله تحصد القلوب و ترزق محبتها و قد نظرت في السير و أخبار من مضى و اندثر فما وجدت رجلاً ذو سابقة و قدم كمحمد بن عبدالله صلى الله عليه و سلم، حارب أم سالم، حَلِم أم غضب، ضحك أم بكى ، و حاله :
تعود بسط الكف حتى لو أنه … أراد انقباضا لم تطعه أنامله
و هو اليوم فن منسي، و حلم وردي لا يعلم القوم له رسماً سوى ما درس، ولا حائطاً خلا ما انتقض. فلا يجيد بنو الزمان اليوم كسباً إلا المال يجتذبون به الطيب و الخبيث، و الماجد و الذليل، و الصادق و الكاذب على سواء. و قد يطرأ للمرء سؤال فيقول: فأي ضر بهذا الاجتذاب و قد علمنا ميلان القلوب إلى من عنده المال؟
و نقول مبينين و مفسرين، (نقول: النون بعد أنا بس جالس أدلع نفسي و أفخمها) أيرضى المرء أن يفضي حاله إلى ما قال أحدهم :
حياك من لم تكن ترجو تحيته … لولا الدراهم ما حياك إنسان.
فيعلم أن حاصل المحبة متعلق بعارض قد يزول ، و ليت شعري هل ركن أحدهم إلى الدهر يوماً إلى إلا و رزء به؟
و من تمام الإنصاف، أن ننقل عن أناس عاصرناهم يتصرفون في القلوب تصرف السحاب مع الجنوب. فيتهادون و يتحابون و عن الإساءة يتغاضون، و هم في هذا قد يبدون للبعض بمنزل الضعف لا القوة، فقد يساء فهم مقصدهم على أنه تقليل شأن أنفسهم و الحط من قدرها و رفعتها، لأنه و إن تناسى الأسد زئيره فلا ينس الكلب عواءه لذا يلام من رد السيئة بالحسنة حين رغب ربنا في هذا النهج و بيّن فلاحه.
أما إن هُجر أحدهم، ما وسعه إلى قول : }فإن تولوا فقل حسبي الله عليه توكلت وهو رب العرش العظيم{
هذا هو الكسب، بيناه للسادة القراء راجين أن ينظروا في حالهم، فمن كان هذا نهجه ذكّرناه، و من جهله علمناه و من حاد عنه هديناه. والله من وراء القصد.
المؤلف رحمه الله.