أنا و فتاة مسلمة مع خبير أجنبي في شارع زايد، و كله بياض!

If we have listened to everything Mom and Dad told us, we would have still lived in caves.

بهذه الشبهة ختم الطبيب النفسي  كلامه الموجه إلى فتاة تشكو تحجر قلب والديها إذ منعاها من التزوج من رجل متزوج يكبرها بعقود من الزمن و كأنه أتي بكشف أو أوحي إليه ..قالها و هو يتلمظ المبدأ فاستطعم ذكاء نفسه و تذوق نباهةً لم يتذوقها أحد سواه.

جعلت أفكر في هذه الشبهة،  خلف مقود السيارة بشارع زايد في دبي و قد ارتسمت حولي الحضارة العمرانية في أوجها و في خير حللها.. أقول شبهة لأنها دعوى تزعم شيئاً و في طياتها شيء آخر، و لأنها تخلط و لا تبين، و هي قول هزل لا قول فصل. فظاهرها خلاف باطنها فلا أدق من وصمها بالشبهة و أخبث ما في الأمر هو أن يتفوه بها رجل يزعم الخبرة في مجاله لطفلة مراهقة تحسب أن بها من الذكاء ما يخولها أن تهيم على وجها.

فظاهر الدعوة حث على الاستقلالية و باطنها فوضى منشودة، إذ لا شأن لموروثات دينية و تقاليد اجتماعية أن تقيد من حرية المرء و فكره لأننا لو اضطررنا إلى سماع كل ما يمليه آباءنا علينا لكانت الكهوف بيوتنا فلا تطور و لا تقدم و لا علم إنما عصي نحملها و حجارة ننقلها و بطون نملأها و جهل مطبق و ظلام دامس.  ثم إن المقولة لا تبين الحد الذي يقف المرء عنده فيرجع إلى ما ترك سلفه و لا الاستفادة من التجارب البشرية على مر العصور من قبله  و ما أكثر العبر و ما أقل من اعتبر.

و المبدأ قائم على فكرة واهية و هي ربط التقدم و التطور بالتحرر من الموروث الديني و التقليدي المتجسد في الآباء. على أن الخبير عبر الأثير إما  يتحامق أو هو جاهل بعلوم الآثار فهو يصور الأمر ببساطة أن شاباً بدائياً في العصور الغابرة قرر ذات يوم أن يهجر الكهف فزجره أباه و انتهرته أمه لكن أمراً من ذاك لم يثن عزمه فباع كهفه و اشترى “فيلا” في نخلة جميرا بدبي! و لعمري أمّر الخبير بقول الله تعالى مذكراً ثمود بنعمه عليهم على لسان نبيه صالح –عليه السلام- واذكروا اذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الارض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون من الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الارض مفسدين  أم أنه ما سمع قط بالبتراء و غيرها من الآثار؟  أما كان نحت الجبال في حقيقته تزيين للكهف الذي استوطنه الإنسان البدائي ؟ أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو ءاذانٌ يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور” لا ما قام الأمر جزافاً و لا كان ضرب عشواء بل قام بروية و تؤدة  و أخذ الأمر مئات بل آلاف السنين و في كل ذا كان الناس في كل عصر يقيمون قدراً لأعمال من قبلهم فيطورون منها و يبنون عليها حتى إذا استوى الأمر و بلغنا من الرقي مبلغاً استحسناه و راق لنا بات بعضنا كالخبير الأجنبي  يشوش و يدعو لنبذ كل شيء باسم  التطور و التحرر.

على أنه لو تفكر قليلا، فرأى الأشياء على حقيقتها ، و أن جل ما نراه اليوم من مبان و ناطحات سحاب ما هي في حقيقتها سوى جبال نبنيها ثم نتخذ منها كهوفاً نأوي إليها كما فعل من قبلنا و كما يفعل من يأتي من بعدنا.

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp

أهم التدوينات