من حار في دم الأطهار.

مقدمة:

“قلما تتاح في أخبار الأمم شرقاً و غرباً عبرة كهذه العبرة بوضوح معالمها و أشواطها”

عباس محمود العقاد – الحسين أبو الشهداء.

بادئ ذي بدء، هو أن تعلم عزيزي القارئ انتساب صاحب المقالة للحق حيثما و أينما  كان ولا يكون المرء صادقاً حتى يحب الصدق و إن كثر ضره و حتى يكره الكذب و إن كثر نفعه.

فافتح أي كتب عني بالتاريخ و انظر فيه ما شاء لك في سنة ستين هجرية تجد المؤرخ يذكر لك أهم أحداث العام  مقتل الحسين عليه السلام. فلم يختلف المؤرخون باختلاف مناهلهم، و اختلاف فرقهم و نحلهم في حقائق تاريخية كأن يقول أحدهم مات الحسين مريضاً  أو مات عليه السلام مهموماً أو أثناء شجار تم ، فالكل يقر بأنه قُتل في ساحة وغى مع  عترته و آل بيته – صلوات ربي وتسليماته عليهم- لا في طرقات مدينة ما.  لكن التعامل مع هذا الحدث الذي يندى له الجبين و تفيض  منه العين وينكسر معه الفؤاد، يثير عجباً من أشد من عجب الحدث نفسه و لا أعصم فرقة من فرق المسلمين. فالشيعة غالوا في التعامل مع هذا الحدث بإقامة المآتم كل عام و ما يتبع ذاك من أمور لم تورد عن شيوخهم، وغال السنة إذ تورعوا عن ذكر الأمر قدر الإمكان  و إن سرد الأمر سرد بتحرج شديد،حتى أنك لتسمع أنه قُتل فلا تدري من قَتل! درءاً للفتنة و خشية للفرقة فذهبوا أي مذهب التماساً لعذر، و إيجاداً لمبرر  و لا أمر بآية هي أطبق في الوصف  من قوله تعالى (كل حزب بما لديهم فرحون.)

و عل الخطأ الأشد هو أن يقوم الباحث في هذا الأمر بتحديد المعسكر سلفاً ثم النظر في الحقائق من بعدها.  خذ على سبيل المثال ما روي عن إباحة المدينة و سفك دماء أهلها،  فثورة أهلها إنما نجمت عن خلع يزيد لما روي عنه من أمور لا تليق بخليفة المسلمين لكن أهل السنة لا يأتون على حجج أهل المدينة حينها سوى قولهم عبارات مثل “ وأشاعوا عليه فعل المنكرات وركوب الحرمات وترك الواجبات ” و يغفلون عن حقيقة هي أنه حتى من بغض معاوية –رضي الله عنه- لم ينسب إليه معاقرة الخمر! و يضربون عرضاً بكل ما يروي عن إباحتها، بل يبرر بعضهم ليزيد فعلته و تسليطه مسلم “مسرف كما سماه بعض المؤرخين” بن عقبة عليهم و يستكثر على أهل المدينة ثورتهم! و يسكت الشيعة عن رفض زين العابدين علي بن الحسين و محمد بن الحنفية خلع يزيد حينها. فلو أراد أحدهم أن ينقب عن الأمر لأمضى عمره بحثاً  ثم لم يقف منه على شيء و هو في استنتاجه حائر أقرب للشك  منه إلى اليقين!

ثم  إن يزيداً لم يأخذ أي من الجوشن أو عبيد الله بن زياد بجريرة مقتل الحسين عليه السلام والتمثيل برأسه من عزل عن ولاية أو إقامة حد، و اكتفى بلعن عبيد الله حين ورده الخبر : فقال معزياً زين العابدين علي بن الحسين حين جهزه للمدينة  :  “لعن الله ابن مرجانة ، أما والله لو أنِّي صاحبه ما سألني خصلة أبداً إلاّ أعطيته إيّاها ، ولدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت ، ولو بهلاك بعض ولدي ، ولكن قضى الله ما رأيت” و قُتل كلاهما على يد المختار الثقفي. و من المفارقات أن الجوشن نفسه كان ممن تشيع لعلي –رضي الله عنه-  وكان ممن قاتلوا في جيشه بمعركة صفين ضد معاوية-رضي الله عنه!

و يزيد في موقفه هذا، مخالف لما قام به أبيه بالمطالبة بالدم حين طالب بدم عثمان- رضي الله عنه- والاقتصاص من قاتليه . و قد عزل الخلفاء ولاتهم لأشياء أهون من دم حفيد رسول- الله صلى الله عليه و سلم.   فأين ذاك من يزيد و قد نسب إليه بعضهم ورعه و زهده؟

و قد يقول أحدكم : “تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم و لا تسألون عما كانوا يعملون”  و هذا صحيح إن أقذعنا السب في شخوص قوم بعينهم، و ولغنا بألسنتنا في دمائهم، لكننا ننظر إلى الأمر بغرض الفهم و الاتعاظ، لا لغرض آخر. أفتكون العبر و لا نأتي على خبر؟ لكن عل خير ما اختزل في شخص يزيد تاريخياً ما أورد شيخ الإسلام ابن تيمية إذ قال :
افترق الناس في يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ثلاث فرق طرفان و وسط …….إلى قوله و القول الثالث : أنه كان ملكاً من ملوك المسلمين له حسنات و سيئات و لم يولد إلا في خلافة عثمان و لم يكن كافراً و لكن جرى بسببه ما جرى من مصرع الحسين و فُعل ما فعل بأهل الحرة ، و لم يكن صحابياً ولا من أولياء الله الصالحين و هذا قول عامة أهل العقل و العلم و السنة و الجماعة . ثم افترقوا ثلاث فرق ، فرقة لعنته و فرقة أحبته و فرقة لا تسبه ولا تحبه و هذا هو المنصوص عن الأمام أحمد و عليه المقتصدون من أصحابه و غيرهم من جميع المسلمين .

وخلاصة اعتقادي في الأمر هو إني أبرء من فعل من كتب قتل أبي عبد الله في صحيفته، اللهم لم أرض به إذ قرأته و بكيت لوصفه فلا تحرمني مصاحبة  أبو الشهداء الشهيد ابن الشهيد و جده صلى الله عليه و سلم في جنات الفردوس الأعلى. 

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp

أهم التدوينات