بدايتي مع التدوين

“لا يبدو الأمر بهذه الصعوبة..”

“ليس الأمر مرتبطاً بالصعوبة أو السهولة أريد منك أن تتعلم من وراء هذه التجربة، لا أدري من نحت هذا المبدأ في عقلك بأن قيمة الدرس تكمن في صعوبته.”

“و تعطيني النقاط؟ “

“سأعطيك إياها، بربك ألست تدرس الهندسة؟ ما بالك و كأنك طالب إقتصاد همه الأرقام.”

ابتسمت..

ذهبت إلى البيت : مئة كلمة يومياَ عن أي شيء، عن أي شيء! فقط لأربعة شهور.. عادي! هكذا حدثت نفسي لأطمئنها. وضعت أثقالي من الكتب، و أحمالي من الأوراق و عزمت أمري أن أكتب كل ليلة : مئة كلمة! لن يأخذ الأمر سوى دقائق معدودة فقط، لأجني خمس نقاط تضاف إلى درجتي النهائية في مادة الأدب الإنجليزي.

كتبت أول مئة حولي و تعريفاً بي فكانت سهلة، سلسة ،عذبة ألفاظها, يسير طرحها، و متناثرة في أفكارها حتى لكأني أستطيع كتابة ألوفاً منها! و لم يستغرق التدوين بضع دقائق حتى انتهيت منه.إلا أن الأمر ازداد تعقيداً و صعوبةً بتقدم الأيام، تمددت الدقائق إلى ساعات أحملق في صفحة بيضاء على شاشة الحاسب كي أكتب سطراً فأعود لمسحه أو مسخه. و صارت الكلمة المائة و بلوغها همي كل ليلة، فهي كبعد الشاطيء الآخر لبني إسرائيل حين قالوا إنا لمدركون. فتارة أكتب عن القطط و فيم تتشاجر، و تارة عن الأشياء التي أسعى لتحقيقها قبل أن تسبقني المنية. ثم وجدتي أعيد ما طرحت سابقاً بأسلوب مختلف، لكنها نفس الأفكار، لم يكن هناك جديد فأكتب عنه! أيعقل هذا؟ أنضب معيني حتى لم يبق لدي شيء لأدونه؟ لكن ما كان يثير غرابتي هو مقدرتي على الكتابة في بعض الليالي أكثر من بقيتها, ولم أكن أعلم حينها (إشوله؟)1

ثم أن الموعد جاء فقدمت ما دونت طيلة أربعة أشهر : إثنا عشر ألف كلمة..و مئة و عشرون فقرة تتباين في جودتها، و أسلوبها، فبعضها أعجز عن محاكاة أصالته و البعض مما أخجل من عرضه مرة أخرى بل لن أبالغ إن قلت أني قد أنكر صحة نسبته إلي.

عرجت على مكتبه بعد أيام حيث تتناثر الكتب و الأوراق و المراجع حوله تناثر الأوراق حول شجرتها في فصل الخريف. أخذت انظر إلى قصاصة علقها ريثما يعثر على أوراقي، قطع علي انتباهي قائلاً :

Dos moi pou sto kai kino taen gaen(2)

archimedes1-full.jpg

ينبغي أن ننظر لأبعد من مقولة أرخميدس أيها الشاب. أخذ يحك ذقنه المختفي وراء لحيته البيضاء: نعم حين تعطى الشعوب فرصتها و موقعها عندها تستطيع أن تحرك العالم بأسره.. آه والآن بخصوص ما قدمت لأجله:

أعتقد أن لدينا ما نستطيع صياغة كتاب منه أيها الشاب! ضحكت و إياه. فذكرت له غرابة ما لاقيت من التدوين و كيف أن التدوين سهل علي أحياناً و صعب في مرات عديدة.

فقال : أعتقد أنك تعلمت الدرس الذي أردت منك، وهو أن هذه الحياة التي تمتد أمامك كطريق بارد لا نهاية له ممهدة بأيام أو قل أشواط تقطعها مملة ،رتيبة، لاجديد يكتنفها لكنها لحظات أو ومضات تجدد الرغبة فيك لمواصلة السعي للأمام و البحث عن الجديد. هذه اللحظات التي تثير الدفء فيك كيوم تخرجك، و يوم زواجك ، و حين تصير أباً و حين يخطو صغيرك أول خطواته، و حين ترى أحفادك. هذه اللحظات القصيرة التي من أجلها نحيا، و عنها نبحث و لها نسعى، فاستغلها و أحفظها جيداً..

هذه كانت بدايتي مع التدوين.

*******

-(لم) باللغة العربية. ومنه قول ابن الرومي : لم قلبي يحب قلبُ ، و قد غنتها المطربة أحلام.

– أعطني مكاناً أقف عليه، و سأزحزح الأرض من مكانها.

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp
  1. ماشي صح

    2007/12/09 - 12:05 ص

    طريقة حلوة
    تصلح بأن تكون طريقة يتم تعميمها للمدونين والراغبين في التدوين
    يا أخي أنت لو منك اثنين بس
    :)

  2. بحرينية

    2007/12/09 - 04:29 م

    نعم حين تعطى الشعوب فرصتها و موقعها عندها تستطيع أن تحرك العالم بأسره >>> كلمات غاية في الحكمة فالانسان يحتاج لكي ينجز ان يعرف موقعه من الاعراب حتى يستطيع ان يبدأ من النقطة التي يعيشها
    شكرا يا رائد على البوست :)

  3. أبو مروان

    2007/12/09 - 06:09 م

    ,وهكذا أحيانا أجد أن لدي ما أقوله وأحيانا لا أجد أحيانا أفخر بما دونت وأحيانا أخجل

    شكلنا كلنا علي هذا المنوال

    بارك الله فيك وجزاك الله خيرا تدوينة موفقة

  4. Raed

    2007/12/10 - 07:13 م

    ماشي

    لله أرحم بعبيده من أن يسلط اثنين مني عليهم!

    بحرينية :

    أهلين و سهلين..

    أبو مروان :

    و فيك الله بارك و أرجو ألا تكون آخر زيارة لك :)

  5. متفرغ

    2007/12/13 - 03:10 ص

    مممممممممم ….. شرايك تكتب عني الديزرتيشن … بس 15000 كلمة … سهلين ما فيها اي تعب … صدقني :)

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات