مآخذ على الديموقراطية.

لا أدري تحديداً متى ولع العرب بهذه الكلمة و هذا النظام على وجه التحديد و إن كنت أشك في  توافقه مع إصدار أغنية : الدنيا ما ما ماجنونة للمغني محمود العسلي

أما عن تاريخ الكلمة فقد أورد العقاد في أحد بحوثه :

“و كلمة ديموقراطية لم تؤخذ من حكم الشعب، و لكنها أخذت من كلمة “ديموس” بمعنى المحلة التي تقيم بها القبيلة، ثم استعيرت للقبيلة نفسها و الحكومة التي تشترك فيها القبائل” 1و قد كان الحكم في أثينا القديمة مسألة “اجراءات” كما في اسبرطة من قبلها. و لم يحدث قط أن أحدا نال حق الإنتخاب لأنه حق إنساني تناط به التبعات و الواجبات    و إنما كانت الطوائف تناوله واحدة بعد أخرى  فلم تنله طائفة الملاحين إلا بعد ثبوت الحاجة إليهم في الحروب البحرية بعد وقعة سلاميس”

و لا ينبغي أن تؤخذ كلمة “وضعي” كانتقاص إنما كحقيقة تاريخية إذ لم تروي الأساطير اليونانية أن “زيوس” كبير الآلهة أقام هذا النظام و فرضه على اليونانيين ،فلم يكن “للحجي” زيوس هم سوى أن يقضي إربه من النساء و أن يصيب حاجته من الطعام “حتى تذمر بعض الآلهة منه قائلين : و بعدين معاه يا أخي وهقنا ! كل يوم و الثاني بتايلند!  نبّي واحد ثقيل..نبي كبير آلهة  تكانه و شخصية!” و لم يروى أن برميثيوس  قد سرق الديموقراطية مع جذوة النار من زيوس فالنظام  وضعه البشر المثبت نقصهم، وبما أن الأصل محقق نقصه فكل ما نتج عنه ناقص2، لا يرقى إلى الكمال و لا يبلغه.    

و لا يخرج شغف العرب حديثاً و ولعهم بهذا النظام الوضعي عن ثلاث، فإما عن إملاء مفروض، أو اعتقاد مغلوط، أو تقليد مهووس. و أرى أنه من الأجدى و الأنفع الحديث عن  علل أجدها في الناخب، و المنتخب، و النظام، مع أصحاب الإعتقاد لأنهم الأقرب إلى العقل و الأبعد للنظر.

فالناخب في ظل هذا النظام يمتلك صوتاً واحداً يدلي به بغض النظر عن ماهيته سواء كبر أم صغر، علم أم جهل، أو بر أم فجر. فالديمقراطية و إن اكتست بحلل الحضارة وتزينت بالتقدم فهي في أصلها نظام “عدد” أعجف، أعور ينظر فيه للبشر على أنهم أعداد كنظرة الراعي للغنم حين يعد رؤوسها و نظرة الحطاب للشجر حين يعد جذوعها لا أكثر.  وعلى العكس فالمتتبع لنهج أحمد -صلى الله عليه و سلم – يرى أنه يزن الرجال بمقياس أكثر شمولية و أبعد تقدماً من الديموقراطية  كوزنه  لشهادة خزيمة بشهادتين! و لو قدمت لمحبي التصويت هذا الدليل لثارت ثائرتهم” كيف؟ ف1 لا يساوي 2″   و قد يعارض أحدهم فيقول هذا نبي، فنرد عليه بقولنا :  إن علماء المدينة شرفها الله أقروا مقولة :”لا يفتى ومالك بالمدينة” فلم نقرأ  أن أحداً عارضها !   و من القرآن ما يثبت عكس نظام عد الرؤوس  و يفنده، فربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى يقول قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ  فهل يعقل أن يسوى عالم يذب عن دين الله و فاجر؟  و هل يستقيم أن نسوي الأستاذ الجامعي بخريج الثانوية؟  أو المواطن المثالي بالسفاح؟ هذا ما يروج له أصحاب الديموقراطية، و هذا إن لم يكن التخبط  و التعثر فلا أدري بم أوصفه؟

 أما عن المنتخب فيكفي أن الرسول عليه الصلاة و السلام لم يعطي الولاية  لسألها قط. و هو مبدأ عظيم في أصله عميق في غايته، فانظر مثلاً إلى أعضاء الكونجرس الأمريكي أبينهم فقير يمثل الفقراء؟3  بل إنهم ليدفعون الأموال الطائلة لقاء إنتخابهم، و يغدق عليهم المال من كبرى الشركات العالمية  تحت طائلة ” هالله هالله فينا يابوك” فتراهم أول ما يلتفتون إليه حين ينصبون رؤساء مصالح تلكم الشركات  من باب الوفاء بالعرفان و عدم نكران الحميل في حين  أن الله عاتب نبيه -صلى الله عليه و سلم -إذ أقبل على أغنياء قريش و ترك الفقير الأعمى  و هل أقبل عليهم يرجو نوالاً؟ أم يبتغي عطاءً .. ما كان شيئاً من ذاك بل كانت الهداية ما يريد فأنبه رب الهداية.  هذا خلاف جوهري ينبغي على محبي الديموقراطية الإجابة عنه لأنهم مسلمون أيضاً و يعنيني  تفسيرهم وتوفيقهم للآراء.

زد على ذلك أن محبي الديموقراطية يخلطون بين كفالة حرية الرأي  و الديموقراطية وينسون أن اليهود يصرحون في مراجعهم بأن عصورهم الذهبية قد بلغت أوجها في ظل حكم المسلمين للأندلس و ما كان نظام حكم الأندلس ديموقراطيا! و بعضهم، يهرذم بأن التألق الإقتصادي إنما يشتد أوجه في ظل الديموقراطية في حين أن الصين شيوعية و رأسمالية في آن واحد، و يا كبر إقتصادهم (اللهم لا حسد). و  لست أسلب الديموقراطية خصائصها من حرية الرأي و نمو الإقتصاد، إنما أرجع الأشياء مصادرها و أعطي كل ذي حق حقه. فليست السعادة أرضاً تصل لها الديموقراطية إن هي طبقت، و إن كان فهناك من الطرق ما هو آمن للشعوب مسلكاً و أقصر مسافة.

و قد يدافع البعض عنها  مستنداً لبعض النصوص الإسلامية فيستند لحديث “لا تجتمع أمتي على ضلالة” و هو حديث ضعيف في إسناده و إن كان صحيحياً في معناه إن علمنا أن الأمة نوعان:أمة دعوة ، وينطوي تحتها أهل التكليف من الإنس و الجان و قد وصفها ربنا فقال لنبيه مبينا و إن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله أمة إجابة وهي من استجابت فآمنت بكتاب ربها و استجابت لدعاء نبيه  و الأمر يعنيها فالعصمة المذكورة إنما هي عصمة مقيدة مشروطة لا مطلقة “على بياض” في كل جانب من جوانب الحياة4   

ثم يدعي بعضهم قائلين رائد ينوح و يلطم و لا يبني بل بالنقد يهدم. ألا فلتكبر أنوفهم لإفتراءهم علي كذباً و بهتاناً.  فالرد على المسألة واضح جلي والمقال صريح خال من الغموض،  فإن كان بالآذان وقر يبلغ من سداده ألا يميز المرء النداء من العويل و بالعيون من الرمد ما يخلط الناظر بسببه بين الإشارة و اللطم فهو قدحٌ في القاريء لا النص. أما عن الحل، فبسيط سهل على من سهله الله عليه، إنها الشورى منزلة  من رب ليس كمثله شيء، فيها تغليب الآراء الراجحة و العقول النيرة من أهل الحل و العقد الذين لا يفرضون أنفسهم بالتجربة فحسب بل يفرضهم الزمان علي غيرهم و ما انتقائهم بأصعب من انتقاء النجوم في الليلة الظلماء. 

      و عل أروع ما قيل في الديموقراطية ما قال

5  HL Mencken  معلقا عليها :

 Democracy is the art of running the circus from the monkey cage

الديموقراطية فن إدارة السيرك من قفص القرود!

 و لا أدري أكان السيد  منكن  يستشف الغيب؟ إذ اعتمد الحزب الجمهوري في أمريكا على رواد الكنائس لينتخبوا من هو أغبى من القرد لإدارة ما هو أضحك من السيرك..  و آسف لمحبي مسلسل Friends  إن أثار هذا التعليق حفيظتهم!  وفيصل القول أخيراً هو، أن الأساطير اليونانية مادة قراءة ممتعة ما أن تدور عن زيوس كبير الآلهة الذي “ما يدري وين الله قاطه” و قد حصل على الأمر دون أي خصال تميزه عن بقية الآلهة، لكن أرجو من المؤرخين أن يضموا الديموقراطية إلى هذه الأساطير و المواد الممتعة. أما قلت لكم أني لا أزيد على أن أرجع الشيء مكانه؟ و دمتم بخير، رائد 

ملاحظة : يعطيك العافية.  

 =========

 demos : The people of a nation as a political unit; a politically defined public community.  في حين يعرفها البقية بالتمتعارف عليه : Democracy: (literally “rule by the 1-people”, from the Greek demos, “people”, and kratos, “rule”) is a form of government. While the term democracy is typically used in the context of a political state, the principles are also applicable to other groups and organizations.

 2ويستثنى ما اصطفى الله من الأنبياء عليهم السلام.

3 و لا عجب أن الحد الأدنى للأجير  

 minimum wage لا يلقى رواجاً بأروقة مبنى الكونجرس، بينما يتكالب السيناتورات حين يتم تشريع قانون يخص الشركات بدعوى أنها مكونة من أفراد، وأقبح بها من دعوة!

4مرجع

  : كاتب و ناقد إجتماعي أمريكي ساخر ذو لسان لاذع يعد مفخرة   مسقط رأسه بولتيمور.  (1880-1956)    H. L. Mencken5 

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp
  1. Arabian Princess

    2007/11/23 - 10:27 ص

    مقالة مليئة بالتحليلات والأفكار .. تحتاج لمخ (مصحح) حتى يناقشك فيها .. سأحاول المناقشة ولكن بما أن مخي ليس (بالمصحح) كثيراً .. فأعذرني إن أخطأت في الفهم

    مبدأياً أتفق معك .. فالديموقراطية ولو أنها نجحت في إحدى الدول لا يعني أنها الحل الأمثل لجميع الدول كما تود فرضها علينا أمريكا .. فلكل مجتممع خصوصياته .. ونحن كمجتمع عربي مسلم .. لا تنفع معنا الدموقراطية (بحاذيفرها) لأنها لا تتناسب مع تركيبة الفرد المعقدة عندنا ..
    ولكن .. لننظر إلى شعب مثل أمريكا .. كيف يمكن لواحد فقير يكاد يجد لقمة عيشه أن يظهر ليُنتخب؟ المجتمع كبير ولا أحد يعرف أي أحد .. فمن الصعب تحديد صوت من أعلم وأقوى من صوت من .. و حجتك بقصص الصحابة قوية .. ولكن هل كثافة السكان يومها تقادل كثافة السكان اليوم؟

    ذكر الله في كتابه الحكيم “وأمرهم شورى بينهم” .. ولكنه لم يحدد كيف تكون هذه الشورى .. لكل زمان طريقته .. وعلى أولي العقول النيرة والدرسات الإجتماعية السياسية .. دراسة المجتمع وفهمه ومن ثم تطبيق الأية حيث تكون النهاية مطابقة لما يدعونا إليه الله سبحانه وتعالى.

    موضوع جميل ومتشعب .. شكراً رائد :)

  2. بحرينية

    2007/11/25 - 12:48 ص

    الديموقراطية كالكافيار يمدحونه بس عمري ما ذقته !! و رابط الاغنية لا يعمل

  3. NI

    2007/11/25 - 08:58 ص

    This piece of work is intelligent, it is of high quality and the language is clear and unambiguous. Most importantly, it also deals with the hot issue at the present moment – implementing democracy in the Middle East. Funny thing, right before reading your post, I was actually reading abt Al-3aqad and May ziyada’s work due to their influence on social progress in the Arab world – and there I see Al-3aqad first thing in your post! I am actually working on a dissertation on whether Islamic law is compatible with human rights (which includes the concepts of democracy and pluralism) – so interesting topic to me! :p

    1) I thought that it was very good to provide the background of democracy. Another point to add is actually what also made Athens more democratic, was the great cultural and psychological influences by the ‘Sophists’, who were known to be the wise ones. They in fact committed the fraud of the tongue and created an illusion, by subjectivizing the truth. What they were concerned with was to persuade and deceive their audience for power, not being concerned with truth and justice. Their contribution was vital since they were great in promoting “democracy”, in essence, they were democracy itself. This being what we see today, as you have pointed out in your argument, our political leadership being in crisis. In fact, one of the signs of the end of time: I3jab kul thee ray2 bira2yihi , the amazement of every opinionated person with his opinion.

  4. NI

    2007/11/25 - 09:00 ص

    2) [أما عن المنتخب فيكفي أن الرسول عليه الصلاة و السلام لم يعطي الولاية لسألها قط.]
    That is an excellent point. This reminds me of Sahnun, the great qadhi of Al Qayrawan. Ibrahim ibn al-Aghlab, the founder of dawlat al aghaliba, wanted to appoint Sahnun as the qadhi, who refused for a whole year. Finally, the Sultan worked out a strategy. He brought Sahnun before him and asked, “what do you say abt a man who is the best of muslims and the ruler wants to appoint him as a qadhi?” Sahnun replied that he should be forced. The Sultan then asked again, “what if he keeps refusing?” Then Sahnun said, “then he should be whipped until he is accepted.” The Sultan said, “araka hatha alrajl” – you are this man, what do you want me to do? Finally Sahnun accepted, which people rejoiced, since he brought justice to his city.

    3) However, as AP pointed out [ذكر الله في كتابه الحكيم “وأمرهم شورى بينهم” .. ولكنه لم يحدد كيف تكون هذه الشورى]

    However, interesting thing is that my friend wrote her dissertation on whether Islam is compatible with democracy. After much research, it proved to be compatible theoretically, but not practically – so there are many arguments for it.

  5. NI

    2007/11/25 - 09:02 ص

    4) People are corrupt and want power, no matter what system you impose. The Caliphate itself was susceptible to so much fitna, right after Omar, with 3uthman being assassinated and later on with the battle of karbala. So whatever system there is, people will do anything for power, or to use powerful positions to oppress others (e.g. for instance using Islamic law to actually oppress people).

    5) I feel that you should read more. I mean good newspapers and articles, to improve your ideas, since there are times where I feel your ideas are too old-fashioned and not practical (not in this post, but in others).

    6) Lastly, do not be disheartened and do not lack patience. “Khair ala3mal adwamuha wain qalat, laysa lilinsan illa ma sa3a, waina sa3yuhu sawfa yura” – no one has except what they endeavour for, and he will see his endeavour. Success never comes easy. If it did, then we would be arrogant and have bad character. Be courageous, if people are heedless and are asleep, does not mean that the quality of your work should go down so that you go to sleep as well, keep it at a very high standard and be humble. This is important, since the pen is mightier than the sword and the word conquers – so write what is truly significant, the word of truth!

  6. NI

    2007/11/25 - 09:10 ص

    Plus, an excellent book to read is The Great War for Civilisation: The Conquest of the Middle East by Robert Fisk!

  7. Raed

    2007/11/25 - 10:22 ص

    Though I am stopping because I have to focus on رواية بعنوان : لا أدري
    if you read my earlier post titled : حيرة كاتب

    you will see that مآخذ على الديموقراطية was always there.. Plus other posts some of which got published some that I might work on later on but the whole point is,, I am not a leader, nor an activist. I just enjoy writing NI be it about pencils or democracy

    You can categorize it all you want, like topics that i write about serious, not .. Long or short but to me its writing something and the only thing that is common between them all

    أني كنت أترجم الدقائق و الساعات أسطراً و مواضيعاً أصيغها بسعادة لأني أكتب.. هذا حلم من أحلامي أن أكون كاتباً لا أكثر لا بالمصلح أو القائد.

    مودتي و شديد إمتناني لمشاركتك، دمتي زائرة و معلقة.

    AP و بحرينية سأعلق لاحقاً .. لكن أنا بصدد التوقف عن التدوين و البحث عن ساحة أخرى و جمهور أكثر تفاعلاً .. علي أطرق باب الصحف مرة أخرى. من يدري ؟ إنشوف وليطرح الله في أي الأمور البركة إن شاء الله.

  8. NI

    2007/11/25 - 10:38 ص

    Well the most important thing is to write what makes you happy. I initially never wanted to comment, because I always felt that my ideas are very different from yours, but I thought I would give it a try for once. Anyway goodluck with everything! :)

  9. أحمد أبوشاور

    2012/05/29 - 07:08 م

    لا فض فوك يا أخ رائد فقد أوضحت بعض ما خفي على الناس من حقائق الديمقراطية – بوركت ووفقك الله لما فيه الخير والبركة

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات