قلة هم من يثابرون على قراءة هرذمتي و يواصلون، فيصبرون على غريب شطحاتي في الكتابة لكن بعضهم لاحظ و بذكاء أني لا آتي على ذكر والدي كذكري لوالدتي أو جدتي – أطال الله في بقائهم جميعاً في طاعته.

و لعل أبسط و أوضح سبيل لأبين عجزي عن الحديث عنه هو جانب اتطرق إليه اليوم : ذاكم أنه زعم القوم أني قد ورثت عنه حب الكلمة و انتقاء اللفظ و إكبار البيان, و أنه كان يبرع في الإنشاء لكنه اضطر إلى التجارة في حين يسر الله لي إكمال دراستي الجامعية1. وأنا اليوم أدون ما قال في أحد إجتماعاته متحدثاً إلى أحد المستثمرين العرب إذ قال:

“يا هذا، إنك تقدم على هذه البلاد قدوم العابر للنهر لا يعلم موضعاً لقدمه. فإن هو هام على وجهه زل، و زلق و غرق. و إن هو استعان بعصاً يستدل بها على العمق، و يتثبت بها مما تقع عليه قبله،كان أحد أثنين :

فإما أن تغرق العصا، إن كان هو غير حاذق في مسكها، و حينها لا يعظم مصابه و يفدي نفسه بغيره، أو يعبر إلى حيث أراد فيصل و تصل العصا معه.

فاجعل من هذه الشركة عصاً تستعين بها على خوض النهر، و تكون لك فيها مآرب أخرى.

مع العلم أن والدي قد ترك المدرسة الثانوية في الدمام، و مستمعه حاصل على الدكتوراة من جامعة ويل كورنيل إلا أن الرجل بدى مقتنعاً تماماً بل لن أبالغ إن قلت أن الرجل قد سُحر و خضع!

أما معاون أبي فمال إلي هامساً : دخلك .. من وين بيجيب هالأمثال؟

و شق علي، إذ ما كنت موهباً بالكتابة يوماً بل دؤوباً ..

ثم أن أبي لم يكتفي بذا فراح يفند حجج الرجل و ما ساق قبل أن يضرب له مثل العصا.

فقال:

“و اعلم أن من ذكرت من فئام الناس إنما هم كالبعير لمن لا يجيد ركوبه، فإن هو وقع من عليه كسر عظمه و إن وقع البعير عليه قتله!”

حدثت نفسي : ايش يا راكان بن حثلين؟ و الله ما كنا بدواً في يوم ٍ من الأيام، من أين له ضرب هذه الأمثال و كأنه رجل من الأعراب؟

فقال الرجل مقاطعاً : لا، لا بعد بل أنت من نبحث عنه.

” وعلى الخبير و قعتم، و إلى ما بعد النهر وصلتم إن شاء الله” قالها مبتسماً مرحباً.

لعمري و ما عمري علي بهين، إني لأنجم عن الفكرة فأصوغها كلمة و أصيرها جملة كي أنال تعليقاً منكم لا يكلفكم ديناراً و لا درهماً فأفشل لبخلكم و لرداءة بضاعتي! و هذا الرجل يأسر من أمامه بكلامه فيعطيه الناس من أموالهم ما شاءت له نفسه… أي عاقل يقيسني به؟ شتان بين من شق عليه قطف كلام الناس, و بين من خطف منهم عديل أرواحهم، و حشاشة قلوبهم، و ثمرة أعمارهم برضاً منهم و تسليم. “بالعربي حطمني”

ثم أن الإجتماع انتهى، و انصرف القوم فاقبلت عليه سائلاً : دادي2 اللهم لا حسد يعني بس من أين لك ما أجريت على لسانك؟

هي الحياة يا رائد.

ثم أقبل أحد الموظفين من بلاد السودان عليه فاستهل والدي كلامه قائلاً : يا زول أنا ما قلت ليك ..

اتصلت بالوالدة و أنا أحملق به : ألو يمه لحقي على ريلج.. إيه نعم تزوج عليج من أم درمان! إي أكيد شلون يتكلم سوداني عيل؟ !

=====

1 أنا عن قناعة أقول : بلها و أشرب ميتها يا رائد! اسفخس على الهندسة.

2تخيل شكلي أيها القاريء و أنا أقول دادي؟