دخل غرفة المدرسين  و انتصب حسب الوصف المعطى له (رابع طاولة على يدك اليمين) أمام طاولة تكاد تهوي تحت وقع الجاذبية و الزمن  يقبع خلفها كهل و قد تناثرت الدفاترو الأقلام من حوله و مرجع يتيم عفا عليه الزمن كغيره من الممتلكات القديمة التي قلما يستثمر في تجديدها محبو البيروقراطية في الوزارات أو القطاعات الحكومية.

الأستاذ لطفي؟

أزاح النظارة من عينيه : نعم, أي خدمة ؟ و ابتسم بالرغم مما كان يبدو عليه من تعبٍ و إرهاق.    

أنا أحمد السيد، والد التلميذ حسام في الصف الرابع شعبة 3.

بهذا عرف الرجل قصير القامة، المربوع عن نفسه ولنكمل وصفه: فالشيب يعلوه في أواخر عقده الرابع أو بداية الخامس. له لحية خطها البياض و تقاسيم حادة لا تخلط ما ارتسم على وجهه من تعابير ولا تخطأ، وجه لا يصلح لسياسي يداهن أو يطلق وعوداً عشواء، ولا يصلح بالتأكيد لأن يكون وجه بائع لأنه بلا خداع، لا شيء يباع.     

يا أهلاً و سهلاً، تفضل أجلس.

هنا وفي هذه اللحظات القصيرة أخذ الأستاذ يفكر في سبب الزيارة، فالترقب وثيق الارتباط بالتكهن لا يكادان يفترقان بغض النظر عن مدى انتظار ما  ُيرتقب.    

شكراً. 

ينبغي أن يذكر المرء مدى إعجابه بأدب ابنكم.

شكرا لك..هذا من ذوقكم، أستاذ أنا هنا بصدد هذا الشأن.

و قدم  ورقة إجابة و قد بدت كسجادة حيكت من بياض و مداد أزرق تزينها دائرة حمراء  في وسطها.

آه.. نعم  هذه ورقة إجابة  حسام لإختبار منتصف الفصل الدراسي الثاني. هل من شيء تستوضحه ؟ استفسر الأستاذ و قد علم سلفاً أن الدائرة الحمراء هي موضوع السؤال و سبب الزيارة إلا أنه أدب الحوار و ما يمليه, ليجعل الزائر من يبدأ بطرح الموضوع.

أنت حرمت حسام من درجة هذا السؤال!

نعم, فعلت لأنه لم يفسر ظاهرة البرق.

لم يفسرها؟ بل قد جاء بسببها واضحاً جلياً، فكان تفسيرها بيّنا  لا يختلط إلا على من به ضرر.  و ما استند إليه حديث صحيح فقد أورد البخاري عن ابن عباس  رضي الله عنه  أنه كان إذا سمع صوت الرعد قال ( سبحان الذي سبحت له ، قال إن الرعد ملك ينعق بالغيث كما ينعق الراعي بغنمه)

لكني لم أطلب تفسيراً شرعياً للظاهرة!

العلم لا يقسم نحن نتكلم عن نفس الظاهرة، نفس البرق في نفس السماء.

عفوك يا أخي، أنا اختبر فهمهم و تحصيلهم لما تم شرحه. إنما انتقصت جوابه وحرمته من درجة السؤال لأنه لم يتبع الطريقة التي درس عليها فإنقاصه إنما يكون في حالته لعدم اتباعه التعليمات..هذا اختبار علوم لا فلسفة.

بغض النظر…ثم إن وظيفة التعليم أن ينمي مدارك الطفل لا أن يحجمها!  ما أنا فاعل إن جاء يسألني : أكان ما ذكرت بالجواب خطأ؟ أفقول صواب من الناحية الشرعية خطأ من الناحية العلمية؟ أي نفاق أحشو رأس طفلي به؟ ثم إن الأمر ليس مجرد درجة في ورقة…

قل له ببساطة أنه لم يتبع المطلوب.

الأمر أكبر من ذاك يا أستاذ، نحن على مفترق إما ننشأ عقيدة طفل أو نأتي على قواعدها فننشأ جيلاً يخجل من سرد حقائق الكون وظواهره كما بينها نبيه عليه الصلاة والسلام.

و هل غاب عن ذهنك أن بالصف طالبان يعتنقان النصرانية؟ فإن ذكرا أنها تبرق حين يطير إلياس عرضاً في السماء فهل أعطيهم درجةً ناقصة أم كاملة؟

ناقصة بالطبع!

لكنهما لا يؤمنان بما أنزل على محمد عليه الصلاة و السلام!

شأنهما. ما ذنب الباقي؟ الإسلام ظاهرٌ بين و موقفه من النصرانية معروف لمن قرأ كتاب الله، و لا  يعدو ذلك ارتباط الجزأ بالكل.  

الأمر متعلق بالعلم و الدين و هي مسألة قديمة.

و لا تعارض.

لم أقل بأن هناك تعارض، إنما التعارض أن تضرب عرض الحائط بالأسباب التي فرضها الله و جعلها ظاهرة لكل معتنقي الديانات كتفريغ الشحنات الكهربية في حالة البرق  هذه ظوهر ..

قاطعه: أو أن تضرب عرض الحائط بمحيط الطالب، أي تعليم هذا الذي لا يلقي بالاً لبيئة الطفل و لا يهتم بدراسة الظواهر بنظرةٍ شمولية؟ إنما يجزأ لينشأ الطفل كأن به انفصاماً بالشخصية أو ازدواجية.

ليس الأمر كما تقول، الإنضباط جزء من التعليم أما أن نخرق كل لائحة و كل بند تحت مظلة الإبداع إذن نحن ننشد فوضى. نعم فوضى و في كل مرة ينبغي أن نتنفس الصعداء أن من خرق التعليمات كان حدثاً ربي كتربية حضرتكم لأنه إن أمعنت النظر فما زاد ابنك إلا على أن يعمل بمبدأ ماكفلي القائل أن (الغاية تبرر الوسيلة) فإن أراد أن يثبت أحدهم صحة استنباطه بطريقة ملتوية فصدق استنتاجه أيبرر ذلك نهجه و يسوغ مسلكه؟ لا يا سيد!   نحن نتولى الظاهر و ما يجري خلف الكواليس فلا استطيع أن أقيمه كأستاذٍ للعلوم. ينبغي لك أن تميز أني أتقاضى أجري مبيناً حقائق لا عقائد.

أنت تتقاضى لتعد جيلاً يا أستاذ أنسيت أنها وزراة التربية و التعليم؟ التربية.. إنها عقيدة.  

========

إلى هنا أقف، و أتوجه بالسؤال إليكم معاشرالقراء..

 ما الذي تفعله إن كنت بمكان الأستاذ؟ أتعطي الدرجة لحسام أم لا؟ و لم؟