جحيم الانتظار

تفحصت الغرفة قبيل ولوجها ..غرفة كئيبة مكتسية بلون معدوم الدلالة ضائع النسب فلا أنت تنسبه للبياض أو للوردية (لكم كنت سأعجب إن صدر هذا من طبيب عيون ليثبت للراءي أن به عمى ألوان) لكنه عديم ذوق، أقرب للتاجر منه إلى الطبيب ..جدرانها عارية مما يزينها و خصوصا ساعة تستدل بها ضياع عمرك!( لأن المقامر و شارب الخمر و المريض ينتظر دخول التمرجي رهناء وهم و قطع خيوط تربطهم بالواقع من أبجديات الإنتهاز و الاستغلال) سوى سهم مرسوم يشير لاتجاه القبلة، و كأن الطبيب يقول لنا : لا جدوى سوى أن تفرش سجادتك و تهوي بجبهتك على الأرض و تستغيث برب السماء كي ينجدك من هذا الجحيم!

هناك بزاوية تلفاز قديم يعلوه غبار، بريء ذو إرسال “أرضي” لم تلوثه محطات فضائية، رافع لعلامة النصر بأصبعين حديديين يعرض مسلسلاً بدوياً لا علاقة لطاقم تمثيله بالبدو اللهم إلا علاقة الشاة و التيس– أجلكم الله- بالرعاة! أية نوعية من البشر تتابع هذا المسلسل؟ كأن كل شيء وضع بدقة لنمثل مشهد مسرحي بعنوان : ملل.

فكرة تومض بعقلي :

“حسب المرء أن يبتلى بالمرض لكن الصبر على مرضى ثقلاء و أطباء محتالين هذا ما يهيض الجبال ! “

ما بال هذا الكهل الذي انصب على هاتفه يجول بأصابعه الغليظة السوداء (1)بحثاً عن رقم فلان و فلان ،لم ألمه باديء الأمر فقد أحضرت معي كتاباً و قلماً و ورقة فلا سبيل للملل علي، و قد أتصور نفسي أسير هذا الغرفة مجرداً مما دججت نفسي به إذاً لفقدت عقلي.

– أنا عند الدكتور راضي.

صمت.

– علينا و عليك..

ثواني صمت..

دلفت الممرضة إلى الغرفة ونادت : 14 ، 14 فاشرأبت أعناق القوم. لأننا نوسم بأرقام كالمواشي قبيل جرنا إلى هذا القصاب! ثم “ذلفت” إلى حيث لا أدري.

– إيه، إيه … هاها الله يقطع سوالفك!

What number 17 ? لحظة شوي بو فلان،

14 عند أهل الفلبين (راجع خدامتكم للتأكد من المعلومة) Pourteen

ثواني صمت أخرى..

– خلاص عيل شكلك مشغول، أخليك.

و يعود مرةً أخرى بحثاً عن شخص يمضي وقت الانتظار معه. نفس الموقف ونفس الحوار يكر على الجالسين و كأنه يقرأ من نص مسبق اتصالاً تلو الآخر تباعاً و بدون توقف كمطر نبي الله نوح منهمر و دون انقطاع.

و خلال ال(حقيقة لا أدري كم لبثت؟! يقال أن الإنسان يفقد احساسه بالوقت مع الثانية التسعين) و شيئاً فشيء سكنت حركاته, و قلت كلماته كأنه كرة تهم بالوقوف عن التدحرج, حتى صمت أخيراً و سكن جسده كأنه حجر.

دخل موظف الإستقبال فوضع قهوةً و تمراً غلف بعناية حتى لو أنك أردت أن تثقبه برصاص ما استطعت! ثم سألني من دون الخلق والناس تصرخ به : متى ندخل و كأننا أسرى في غوانتناموا نطالب بعدالة فاستبشرت أنني أنا من دونهم المختار فسألني بسماجة : تبي شاي؟

لا أدري أي نظرة على وجهي جعلت منه يسألني مرةً أخرى : شاي تبي؟ فقلت في عقلي : يا ساحر! شلون قلبت الإسم قبل الفعل؟ ايش هذي الحيل اللغوية ؟ و أضربنا معاشر الأسرى عن الطعام و الشراب حتى لا يمن علينا العدو بهذا النزر اليسير! فما كان من الموظف إلا أن يأكل بنفسه و يشرب ناظراً إلينا بغل و لسان حاله “اصطفلوا” همست عندها : بل أنتم بهديتكم تفرحون!

دخل شاب إلى الغرفة (و الشاب بتعريف الثعلبي من كان بين الثلاثين و الأربعين و عند اللبنانيين من كان بين الثلاثين و الثمانين كالمغني :وليد توفيق) جلس فجعل يجول بأصابعه هو الآخر و ابتدأ صراع بينه وبين الكهل ليثبت كل منهما للآخر مدى شعبيته و شديد تعلق الناس به. و ضعت الكتاب جانباً و أخذت أحملق فيهما “ها خيبة يستعاذ من شرها”

حتى نظر الشاب للكهل بحقد إذ أثبت ذاك أنه يعرف رجلاً بحرف ال”ش” لأنه في إحدى المكالمات صرخ و هو ينظر للشاب : هلا شوقي, شلونك؟ شوقي وينك من زمان؟ ولم يتصل الشاب بأحد فيما أذكر بحرف ال”ش” فقلت :

شيطان يأخذك.

أقبل علينا رجل لصق برجله إنسان ذو خمسة أعوام، تملكني إحساس سخيف و رغبة جامحة أن اسأله و أنا أشير إلى هذا الكائن البشري الملتصق إلى الحد الذي بدى ظلهما ظلاً واحداً: هذا طلع لك مع المرض ولا قبله؟ استأذن بالجلوس بجانبي بعينه و هز رأسه فأومأت إليه ألا مانع، و هو شيء مشترك في جميع المخلوقات القادرة على القتال و العراك مع أبناء فصيلتها فلكل مساحته و لكل مملكته يفعل بها ما يشاء كالقطط مثلاً تحدد أماكنها محذرة ومنذرة للمتطفلين – مع التحفظ على الطريقة.

سألني متلعثماً : عفواً .. الأخر رقم كم؟

22

أنا 11..

(أكاد أحلف أن من سمع مقالنا، و لم ير مقامنا سيظن بلا شك أن هذا حفل زفاف نجل جاسوس دعي إليه طاقم الاستخبارات و العملاء.)

فرصة سعيدة… أصابني اكتئاب حاد..! 11 ولا زال مرابطاً؟



خلال ذلك احتد و احتدم التنافس بين الكهل و الشاب. فقام الشاب بما لم يكن بالحسبان! أجرى مكالمة وهو يرمقني بحقد (شدخلني ما أدري) فقال للمتصل : عيوني هسا، آني هنانا بالعيادة دا أريد أسوي عملية لخشمي ..

أخذ يبتسم فقال بعد وهلة : إي منحرف خشمي عيوني. ها ها ها و هو يطيل النظر إلي..

يا عدو الله و الملائكة و الناس أجمعين! إلا سب الأبوين و طاري الخشم يا متهتك. رفعت الكتاب فسترت و جهي و أنا أقول : “بيطلع في عيالك، وين بتروح من رب العالمين؟”

استكمل ..دا أقولك، فد خبر إجانا إن واحد من جماعة مقتدى الصدر تعارك له مع ( و سمى إحدى الجماعات التي تمتلك ما تستر به وجوه أعضاءها، و أعلام عليها عبارات التوحيد و كاميرات تصوير) فإذا تريد نسوي مقابلة لو (و “لو” تقوم مقام “أو” عند أهل الأنبار : راجع بياع الباجه في فريجكم لتتأكد) شي؟

نظرت إلى المخلوقان الملتصقان بجانبي و قد استشطت غيظاً فقلت : على فكرة لقد نادت الممرضة على رقم 14!

شو؟

14 ألم تسمع؟


ليتكم رأيتم الحنق على الذي انتابه و فجأة نهض و صار الكائن الصغير اللاصق برجله لاصقاً بصدره مرةً واحدة و هو يصرخ : شو هالمسخرة؟ و اختفى.. و إلى يومنا هذا لا أدري ما آل إليه أمره ولا اكترث حقيقةً بمصيره!


و ما أن يخرج رجل حتى يستبدل بآخر، دخل رقم 24 فكان صامتاً جل وقته و لم ألحظ مغادرته و بالكاد لحظته حين دخوله لكن الشيء الوحيد الذي راعني هو أنه تسمر زي الأهبل محملقاً ومتابعاً للمسلسل البدوي السخيف المذكور أعلاه.

عقلي : يصرخ : رائد! هذه هي النوعية التي سألتني عنها!

أنا لعقلي : أوكي! جزاك الله خير.

لا يعلم إلا الله ما الذي جعلني أفكر بنظرية العوالم المتوازية و المتناظرة، فقلت بالقياس ينبغي أن تكون هناك غرفة محشوة بالنساء ولهم أرقام كأرقامنا و هموم كهمومنا خرجت من قمقمنا و تسمرت : رباه النظرية حق! هناك انتظار للنساء كما للرجال، يعني في وحده تتفلسف على الناس مثلي و هي قابعة هناك ؟ ذعر! هذا الذي أذكره .. دخلت الغرفة و أنا مذعور لهذه الفكرة.

ثم احسست بالكهل ينظر إلي و عيناه تدور، ينتاب المرء احساس بأنه مراقب كأنما حرارة منبعثة من مصدر ما، و الغريب كل الغرابة أنك ترفع رأسك تجاه من يراقبك دون أن تخطيء و أغرب من ذا أن من يراقبك لا ينجو بالعادة من فعلته! بعض الأمور بقية عالقة بنا معاشر البشر مذ كان يقطن أجدادنا الكهوف! انتفض دون مقدمات صارخاً “مب حاله” و خرج لا يلوي على شيء.

وضعت الكتاب (يا هذا الكتاب..واضعه رافعه، رافعه واضعه) جانباً أيعقل أن حياته ترآءت له كالسراب ؟

فهو كان أبداً متصلا و لم يكن مرة مستقبلاً لأي مكالمة. كما أن جل محادثاته هرذمة لعبارات و كلمات عدت سلفاً “كشحالك؟ بشرني عنك.. حيا الله فلان”(2)و سماع لما عد سلفاً لهذا ال”التحفي” فلا شيء يضفي في حديثه أنه نديم لفلان أو خليل لآخر.. رباه هل لاح له أنه ببساطة : قابل للإستغناء؟ يجوز…!

أو يمكن أنه تملل فحسب.. هذا جائز أيضاً.

على أنه لو فكر و تريث لعلم أنه سينتظر في غرفةً أخرى عند محتال آخر!

أما الشاب فقد حصل على واسطة ما قفز بها من رقم : 3411 إلا رقم : 17* للعلم رقم الكاتب (22) حتى في العيادات الخاصة واسطة!

انفض الجمع و أخذ السكون يتدفق رويداً رويداً إلى الغرفة حتى امتلت به، مرت دقائق و عدت إلى الكتاب مرةً أخرى مبتسماً لأننا جميعاً أتينا بغية العلاج و ما أن يخلو أحدنا بنفسه حتى يهرب بهاتف يخاطب به أحباباً أو يتصفح كتاباً حتى لا ينفرد بنفسه. نعم خشيةً منها! لأننا جميعاً نخشى على أنفسنا و نخشى منها في آن واحد.

============

1-بعض الإخوان قد نصحني بتغيرها إلى أصابع سمراء في حين لم تكن كذلك. و قد قلت اللون وصفاً فحسب لا تعييرا. و عندي أن التحرج من ذكر لون أو أصل لهو النفاق بعينه و العنصرية بذاتها.

2- ( و هو ما يطلق عليه أهل الخليج “تحفي”، و يطول أو يقصر ليشملك أنت و تراب أسلافك بقدر ما يريد المرء أن يثبت المرء ذرابته و شديد محبته و قد تكون ثاني مرةً يراك فيها في حياته و هي طامة! أو نفس اليوم و هي طامة كبرى! )

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp
  1. Arabian Princess

    2007/09/30 - 03:39 ص

    لووووووووول .. مسلسل فكاهي عيادتكم هذي :)

    بس أبشرك .. غرفة إنتظار الحريم بتكون أكثر متعة .. لأننا نسمع سوالف فلانة وعلانة .. وبعد وش طابخة جارتهم :)

    بصراحة .. من اليوم وصاعداً سيكون لغرفة الإنتظار طعماً أخر D:

  2. آمنة

    2007/09/30 - 11:14 ص

    فنــــــــــــــــــان، ابداع.. جميل جدا بوست جميل
    بيطلع في عياله خشم منحرف لووول، كذلك ما كان زين تسكت عقلك لما جاوب على سؤالك ما يجوز!!

  3. ♥whatever♥

    2007/10/01 - 03:52 م

    هههه والله اطلعت عيوني من الضحك XD انت لو منك اثنين .. كان رحنا فيها..
    أما الخشم فأنا أشوف انه معقدك واااجد ريح حالك وقطعه وركب واحد غير..

    البوست واااااااااااااو .. صبرنا ونلنا ..الله يعطيك العافيه ع المجهود وسلامات ماتشوف شر .. طلعت من العياده ولا لسه؟؟؟؟ دام رقمك 22 أتوقع لين اللحين مانادوك أذا هذا حالهم.. يبيلك تروح لبنان كم يوم تعيد النضاره لبشرتك وبالمره تسوي new look =D

  4. Raed

    2007/10/07 - 04:05 م

    AP

    و الله ما زدت على أن دونت و لو كان الأمر كما تقولين فالحمدلله أني لم و لن إن شاء الله اسمع هذه السوالف.

    آمنة

    يسلموا :)

    whatever

    الحمدلله اشوى ما فيه و لا ناقصين دمار احنا ؟ الحمدلله نال الإعجاب لكن لا زلت أتعالج و دعواتكم.

  5. I (fave’) U « Yellow Taxi

    2007/10/17 - 06:15 ص

    […] 10. كلمتكم : جحيم الانتظار […]

  6. wolf

    2008/12/06 - 05:01 م

    it is; voicetone tvfzeb; taylor made rescue mid review htmx; it viagra works 20314; mid american electric yfuz; carrefour and life insurance deal %-]; us cellular ringbacks %-OOO;

  7. scuko

    2008/12/08 - 03:45 ص

    A; safety dance midi jyhgd; equivalent cialis 688; viagra user review >:-PPP; drug levitra new %-))); blackjacks chicago 7971; insurance for auto %[[[;

  8. volks

    2008/12/09 - 03:06 م

    to your sole; ige car insurance 187; extremely low car insurance 568082; caverta veega generic viagra 0148; brand name viagra 763889; mid michigan occer league 8P; viagra search 191;

  9. scuko

    2008/12/09 - 05:30 م

    takes; mase midis 483832; maryland auto insurance agencies qqct; online ct auto apprisal insurance courses 7730; massachusetts auto insurance policy quiz >:(((; car with free insurance 96974;

  10. pilo

    2008/12/09 - 08:49 م

    and decrease; benedryl given with cialis 040806; phentermine 3376; mid valley ford yakima lmkx; creating your own ringtones =-]]; viagra %[[[;

  11. jonn2

    2008/12/09 - 11:21 م

    aspirin; big bonuses hit jackpots 000; online ct auto apprisal insurance courses kbj; viagra integration online 8-P; levitra styles clash :(; does viagra work on %P;

  12. Gair

    2009/03/14 - 12:49 م

    scuh a amazing story I found in this site, respect!

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات