سفر..

هب أن رجلا ً دعاه ملك مهيب ذات يوم إلى بلاطه، فقرأ كتابه فرحاً عجلاً و زُيّن له فظن أنه وعى الكتاب بأوامره و نواهيه لأن الملك أمره بالإمتثال لما فيه. أعد العدة و لبس أفخم ثيابه ، تطيب بأجود عطوره و صنع أحسن ما يصنع الرجل يدعوه عظيم السلطان، ثم ركب أحسن مركب حتى غبطه قومه لما اختص به. و زاد من فرحه هدية ً أعدها للملك و قد علم أنها لا تزيد في مُلكه نقيراً ولا قطميرا لكنه سيقدر الجهد الذي تكبده في تحصيل هذه الهدية، فقد عرف أنه يؤجر الأجير أضعافاً مضاعفة منة ً منه وتكرماً. اختلط فرحه بشيء من الوجل فالملك بعيد قصره، قريب سلطانه، كثير جنده، عظيم أمره، شديد بطشه، قديم إحسانه… و في الطريق افتتن بما عاين فراح يتأمل الرياض بحسنها، والممالك بإحكام صنعها، والناس بظرفها حتى إذا استراح في منتصف الطريق نظر في متاعه يلتمس هديته، يتفحصها ليتجدد فرحه بها فـفـقدها!

فزع و ذعر أخذ ينثر متاعه بحثاً ويسأل الناس أن يمهلوه، تأخر عن الركب ففارقته القافلة.. حث التراب فوق رأسه و عول ثم مضت الأيام و هو منقطع بالأرض يبحث بقوارع الطريق عله يجدها؟ فضاع الهندام و ذهب الطيب. تعب.. هده الإعياء و الخوف من الجزاء، فأقبل على كتاب مولاه يقرأه يبث حزنه و يسترجع حاله حين وقعت عينه عليه لأول مرة, فقرأ متفكراً لتزداد حسرته ويغزر دمعه لما وصف الملك مخبراً عمن مضى من المسافرين الذين غفلوا عما دعاهم إليه مفتتنين بالطريق، منذراً متوعداً كل من ينتهي حاله كحالهم…

لو أنه قرأ الكتاب بعناية ؟

ويله ما هو فاعل؟ أيرجع بحثاً عن هديةً أبخس ثمناً فيتأخر عن الأجل الذي ضربه له مولاه؟ أم يقدم عليه أشعثاً أغبراً لا يميزه من بين الناس سوى سوء هندامه و حاله خشية أن يعاقبه بجرمين جرم ضياع ما قدم لأجله و جرم جرأته أن يتأخر عن الحضور بين يديه.

فاختار أن يمثل بين يديه صاغراً و في ما عنده طامعا و لسان حاله :

أسير خلف ركاب القوم ذو عرج __ مؤملاً جبر ما لقيت من عوج ِ

فإن لحقت بالقوم من بعد ما ظفروا__فــكــم لرب السماء من فرج ِ ؟

و إن ظللت بقطع الأرض منقطعاً __ فما ذلك على أعرج من حرج ِ

======

نظرت في عملي و قديم صنعي، تأملت جاهدا، بحثت فزعاً كالذي أضاع شيئاً ظن أنه قد ملك يوماً. لا شيء ..

فوعزتك و جلالك أقبل عليك و قد ناهزت الثلاثين و بلغت نصف الطريق إن أنت أمهلتني، و ما أرى ما أقدم عليه بك أثمن من حبي لك مولاي و لرسولك (صلى الله عليه و سلم).

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp
  1. Arabian Princess

    2007/09/20 - 01:48 م

    عندما يغمر المرء حبه لله ولرسوله يكون هو الطريق لإتباع نهج كتابه وسنة نبيه

    المقالة مؤثرة جداً :)

  2. بحرينية

    2007/09/20 - 04:19 م

    يجب على مثل هذه العبر ان تخلد بكتابتها ثم روايتها و التأكيد عليها حتى يتعض البقية
    شكرا لك يا رائد على البوست
    من المتابعين دائما

  3. Catism

    2007/09/20 - 07:31 م

    رمضانك مبارك أخي رائد.

    اسأل ملك ومالك يوم الدين والأراضين أن يبارك فيك ويرزقك العتق من النار في هذا الشهر الكريم.

    :)

  4. ♥whatever♥

    2007/09/20 - 09:41 م

    آه كم أشتقت لقلمك يارائد..

    لكل منا لحظاته في محاسبة نفسه .. ولو انك صمت الدهر وقمت الليل فانك لن توفي حق الله فالله من علينا بعم لو أعدها لك لوصلت أنت المئه لا الثلاثون وانا لم أنتهي..طبعا وقتها بيكون عمري انا عشرين:)

    ولكن أهم شئ فالدنيا صلاتك ورضى والديك .. فحرص عليهما..فهما مفتاح دخول الجنه..
    ولا تتحسر على عمرك الذي مضى.. تو الناس ع التحسر يارائد وراك درب طووووووووووووووووووووووووووويل تتحسر عليه..وترا بعدك شباب ماشيبت..

    وترا من طوا الغيبه جاب الغنايم.. ع العموم الله يشفيك ويعافيك..ريح نفسك وعن الشغل الزايد ترا الدنيا ماتسوى والدوام ماراح يطير..

  5. Amina

    2007/09/21 - 06:07 ص

    very touching article…
    Blessed Ramadan to all and ma 3alaik shar ya Raed

  6. Raed

    2007/09/24 - 05:37 م

    AP

    مشكورة :)

    Cat

    آمين جميعاً.

    بحرينية جزاك الله خيرا

    whatever

    و هو بقى من العمر كثر اللي راح ؟

    ماخذ Annual leave.. أدور شغل :)

    Amina

    thanks a mill dear, I have ran across Dr. Abdulla by the way who was troubled by the masters incident. yours not mine !

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات