و أسدل الستار.

دخلت المجلس، و إذ بثلاثة يكبرونني بأعوام  قد تحلقوا و دموعهم غزار يكفكفونها،  خفت و أنا أبصر حالهم و أسمع نشيجهم سألت في تردد : عسى.. ما.. شر؟

قال أحدهم بصوت يخالطه الدمع : مات رسول الله.

أصابني تبلد لحظي و أنا أقول: ايه مات عليه الصلاة و السلام قبل ألف و أربعمئة عام، أما بلغكم   

يا أخي أنت ثور؟ بس كنا نستمع لشريط يسرد وفاته عليه الصلاة و السلام.

هنا أطرقت،  ففي التاريخ أحداث كسقوط الأندلس، و ضياع فلسطين و وفاة الرسول عليه الصلاة و السلام يبقى جرحها ندياً و ألمها طرياً كأنما تفتق لتوه.

أطبق الصمت علينا هوينة فقال أكبرهم : تدرون أكثر ما أبكاني؟  حين كان يقول صلى الله عليه و سلم : لا إله إلا الله إن للموت سكرات.

فرد عليه الأوسط : بل ما كان من أمره حين قال : إن عبداً خيره الله بين الدنيا و بين لقاء الله فأختار لقاء الله..

ماذا عنك؟ سألني أصغرهم.  ارتبكت، أخذت على حين غرة.. فقلت : ما ذكر ابن هشام في سيرته عن أنس بن مالك من أنه عليه الصلاة و السلام أزاح ستاره فجر الأثنين فقام على الباب، فكاد المسلمون يفتتنون فرحاً و تفسحوا ليمر من بينهم، فأشار إليهم أن أثبتوا  على صلاتكم. قال أنس : فتبسم رسول الله -عليه الصلاة و السلام- سروراً لما رأى من هيئتهم في صلاتهم، و ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن هيئة منه تلك الساعة حتى ظن الناس أنه قد برئ من وجعه.

فكأني بالمعلم يلقي بالنظرة الأخيرة على طلابه، و المربي يودع أبناءه فيملأ عينيه من أجمل منظر، لأن الصلاة قرة عينه و لأنه قرير العين بما يرى صلى الله عليه الصلاة و السلام … إنها العصبة نفسها التي دعا لها يوم بدر قائلاً : “اللهم إن تهلك هذه العصبة .. فلا تعبد بعد في الأرض أبدا”   إنه وقت حصاد معان زرعها،أفلا يكون مسروراً ؟ فهو يبتسم لأبو بكر في صدقه, و عمر بعدله, و عثمان  في كرمه, و علي بشجاعته و هو إذ يلمح صحبه فيرى الشاعر و المجاهد، و الأمين و العابد، و العالم و الزاهد. و هم يرونه صلى الله عليه و سلم، فيطير لبهم فرحاً بشفاءه كيف لا و هو الأحب لديهم من مالهم و أهلهم بل و من أنفسهم؟  إنها نظرة الحب منه و العرفان منهم.

ثم أسدل الستار بيده الشريفة  و ما أُسدل الستار عن مشهد تفيض له أعيننا كما فاضت له أعينهم رضوان الله عليهم.    

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp
  1. layal

    2007/08/20 - 07:00 ص

    اذكر عباره الرسول صلي الله عليه وسلم حين خيرته الملائكه فقال لهم
    بل الرفيق الاعلي

    عندما ذهبت للحج ورأيت منظر الحجاج المهول يوم عرفه
    كنت اردد في نفسي لو كان رسول الله حي هل سيفرح بأمته وهو يراها بهذا المنظر
    وهل سيفرح بفرحنا بأول ايام رمضان

    نفتقد للوحده والعزة هذا الشيء الذي يشعرني بالضيق كلما تذكرت ما مرنا بنا نحن المسلمون

  2. Arabian Princess

    2007/08/20 - 11:56 ص

    عندما زرت مكة المرة الأخيرة .. تخيلت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجول في أرجاءها .. يتبعه صحابته .. منظر لو صور .. لما أعطته الصور حقه من مشاعر الإنتماء والولاء والحب ..

  3. ثامر الطويرقي

    2007/08/21 - 04:47 ص

    أثرت الشجن ..

    اللهم احشرنا معه يوم القيامة ولا تفرق بيننا وبينه ..

  4. Ra-1

    2007/08/21 - 05:23 ص

    :)

  5. بحرينية

    2007/08/21 - 08:37 ص

    هي احزان مرت و تمر و لكن الذكي منا هو من يذكرها ليستخلص منها دروسا حياتية و مشاعر انسانية
    سقطت الاندلس لنكتشف ان الدولة الاسلامية لم تعد كما كانت و لابد لنا من نهضة
    ضاعت فلسطين لنكتشف ان قوة العدو قد فاقت قوانا و لابد لنا من نهضة
    توفى الرسول عليه افضل الصلاة و السلام و نحن نعرف انه لا دائم غير وجه الله سبحانه و تعالى و لكننا اكتشفنا انه برغم المسلمات الكثيرة فلابد من عين تدمع و رغبة قوية في استمرارية الهدف
    شكرا لك يا رائد على البوست
    من المتابعين دائما

  6. Loyalty

    2007/08/21 - 09:58 م

    لا ألومهم في الحقيقة .. لأن لي بعض التصرفات الشبيهة بتصرفهم ..

    مثلاً لا أتردد في البكاء إذا ما قرأت عن فلسطين و الأندلس أقولها صراحة و لا أتحرج :)

    اللهم اجمعنا بحبيبنا وقرة عيننا رسولنا محمد عليه أفضل الصلاة و التسليم ..

  7. ♥what ever♥

    2007/08/21 - 11:01 م

    كلما جاء حديث أحدهم عن الموت تذكرت قول الرسول صلى الله عليه وسلم حين كان على فراشه يمسح وجهه بالماء و يقول:(لا إله إلا الله إن للموت سكرات)..
    فيجول في خاطري الخوف فهذا رسول بل حبيب الله الذي لم يرتكب ذنبا ولا معصية وقد شعر بسكرات الموت فمابالك بنا نحن ابناء ادم؟!
    من قرأ عن الرسول حقا سيرى بأنه انسان رائع اجتمعت فيه صفات النبوة وقارئ سيرته حتما سيصبح احد عشاقه…
    (اللهم ثبت اقدامنا على دينك واجمعنا بحبيبك واحشرنا معه يوم الحشر واصلح دنيانا وارزقنا الخاتمة الحسنة).. اللهم آمين..

  8. غير معروف

    2007/08/21 - 11:51 م

    I think that the saddest thing is how Muslims are so knowledgeable when it comes to the Prophet’s life – and yet are merely parrots reciting to one another their great knowledge, without applying even fragments of his akhlaq it in their daily lives. The same man who has so much knowledge, would lie, commit zina, would take the rights of others. Seera al-nabi is not there for us to recite and merely be awed by the nabi-3alaihi alsalat wa salam- but rather to learn from him and to apply fragments of his personality – his humbleness, his honesty, his trustworthiness and deep consciousness and fear that Allah is watching his every move. I have traveled and I have met people who although had such great knowledge, yet slept with the diseases of lust, pride, arrogance, envy and miserliness. Yet, I have met others, who although had very little knowledge, yet had such a noble, humble and honourable character. The Muslim world is immersed with such hypocrisy and lewdness it is not surprising that it is in such a bad state. The failings of the Muslim world happen, since Muslims keep reciting the great knowledge they have of Islam and the Prophet learned from their forefathers, and yet do not manifest this in their own personality and their day to day dealings with others.

  9. Raed

    2007/08/22 - 01:51 ص

    Layal

    كيف لا يفرح و هو يبلغه سلام أمته عليه كل يوم عليه الصلاة والسلام ؟ أما عن الإفتقار فهذه مسألة تحتاج لمناقشة – ويا زين مدونتج :)

    AP

    صدقت.. وكما قال حسان – رضي الله عنه- :

    فمثلك لم ترَ قطّ عيني
    ومثلك لم تلد النساء
    وُلدتَ مبرأً من كل عيب
    كأنك قد خلقت كما تشاءُ

    ثامر

    آمين

    Ra-1

    :)

    بحرينية

    الله لا يغير علينا.

    loyalty

    قلب غرست به الرحمة فلا داعي للحرج .. اللهم آمين.

    whatever khanom

    اللهم آمين :)

    غير معروف

    جاء رجل إلى أم الدرداء -رضي الله عنها- يوما يستزيدها من الأحاديث فقالت: يا هذا أكل ما عُلمت عمَلت ؟ قال: لا. فردت قائلةً : فلم تستكثر من حجج الله عليك ؟

    على أنه ينبغي التمييز فهناك الكثير من العصاة و علي حامل لوائهم لا يرون في ما قدموا عملاً أرجى لهم من حب الله و حب رسوله صلى الله عليه و سلم. لا نقول هذا تذرعاً بالذنوب وتبرماً بالضعف لكنها حقيقة و واقع .

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات