ذهلت! استوقفت النادل وأشرت إلى الكوب الذي بيدي : عفواً أخوي اللي بالكوب وشو ؟ قهوة أمريكاني يا باشا.. إيه يعني مو خمر! لا حضرتك!

زين، يعني صاحي..

فارتشفت قهوتي لأصدق أن مثل هذا السؤال لا يزال يسأل وأن أيام العصور الوسطى قد قضت و ولت وذهبت أدراج الرياح مع ملاحقة السحرة و حرقهم، وأن الإسلام قد فنّد كل شبهة وأزال كل ريبة فيما يتعلق بالكواكب وأفلاكها.

فرد بكل حب تمثل بعينيه : القرد.

لا، مستحيل تكون قرد.

لم حبيبتي؟

 نعم كنت استرق السمع عيباً كان أو حراما و ليغفر الله لي ضعفي، لم استطع تكلف عدم المبالاة أمام هذا الحوار الشيق الذي دار بين هاذين المتحابين في ركن غير بعيد عني، تسمّرت.. رميت بكوعي وتداً وأسندت ذقني على قبضتي وتابعت أذناي حتى لو دبت نملة أو هوت إبرة لسمعتها في هذا المقهى.

لأن القرد مسالم! و أنت عدواني في تحوارك و نقاشك.

شهد الله أنه لم يكن كما وَصَفت (شحلاته مؤدب ولد ناس كما يقال عندنا في الخليج أو بلغة أهل الكنانة شاب لؤطه) ، و لكنه الجيل الجديد وما اعتنق يا معاي.. يا مع الناس ضدي.

و أنتي؟

عذراء.

همستها بتردد و خوف.

 مالخطب عزيزتي؟

لا، لا شيء لكن القرود من السنة الصينية والعذارى من السنة الشمسية قلما يتوافقون ويتفقون حسب آخر كتاب قرأته (حظك من شمس الصين لمؤلفته : ماغي سعد). يعني أنت : متسرع و تحب تعليق الأمور،كما أنك متخبط في تصرفاتك ،لكنك مع ذلك تتمتع بحس فكاهي عالي وطيبة طبيعية.

أخذت بالأنين داخلي “لكن لكن.. هذا هو القرد! ما الذي نتصوره منه؟ أن يهتم بشؤون سياسية أو تكون له أهداف سوى التسلق و الموز؟”أما عني فأنا حالمة رومانسية ذات عنصر ترابي…”

أخذ طفل بالصراخ و العويل لجلبة الإنتباه فلم استطع سماع بقية ما يتصف به العذارى”أخذت اهمس : اللهم اكفنيه بما شئت.. اللهم اكفني هذا الطفل البغيض بما شئت. ثم سكت بعد برهة..فترامى الحوار إلى مسامعي مرةً أخرى..

 عزيزتي، عزيزتي لست بالعدواني كل ما في الأمر أن عطارد أخذ يطارد المشتري مما أثر علي سلباً فجعل مني منزعجاً بعض الشيء لا تنسي أني هوائي وأني بعكس الثور والعقرب ذو طبيعة وادعة، اجتماعي. و سأفعل المستحيل لإرضاء شخصيتك الترابية.

 أحبك يا قرد..

 تعانقت اليدان في حب و وئام (لا غير الله عليهم)

 أشرت للنادل عفواً..

أيوه يا باشا.

 قائمة الطعام من فضلك….

 بحثت في قسم العصائر: ممكن الحساب و عصير موز تهديه لذاك هناك؟

دفعت الحساب ضارباً كفاً بكف، ومضيت و شأني.