قلب يكبر

 

 

في المساء كانت أضواء الشوارع تنير ظلمة السيارة، وكانت الأسئلة التي تطرحينها تزداد مع اقترابنا إلى حيث أردنا.

 

“ماما بخير؟

الدكتور قالها خلاص؟

ماما بترجع معانا؟”

 

ابتسمت أمام كل هذه الأسئلة، أما مشعل فكان كعادته يسترعي انتباهي للسيارات من حوله، للدراجات النارية، ولم لا؟ سيسأل عن والدته لينافسك. لم تبلغي السن الذي تعلمين معه أن الأمراض متفاوته وكذلك العمليات الجراحية، ولم أستطع أن أشرح لك سوى أن الأمر بسيط فهي عملية جراحية حددت بموعد مسبق وليست بتلك الخطورة والحمد لله. تلعبين بشفتيك، بدوت وجلة يساورك القلق حين وصلنا بهو المستشفى، ثم إلى الغرفة.  طرقنا الباب، ولم انتبه أنك لم تدخلي الغرفة معنا، لم تكن والدتك لوحدها، كان أخوالك وجدتك لأمك معها وبدت والدتك متعبة وشاحبة.

 

“الحمد لله على السلامة” قلت مبتسما

“الله يسلمك” مدت يدها لتقبض على يدي

كان هذا ما سمعه الناس من حولنا، بالرغم من أننا قلنا الكثير في داخلنا وسرعان ما رضيت بحظوتي لديها ما أن ركضتما نحوها. هناك مثل بالروسية بما معناه ” أن الرجل يفقد قلب زوجته ما أن تصبح أما لأبنائه” ومهما أنكرت والدتكما هذه الحقيقة يا منيرة فأنا ألمحها في الحياة التي دبت بها ما أن وقع نظرها عليكما، وما أن سمعت كلمة “ماما” تملأ الغرفة. وكأن هذه الكلمة بعثتها للحياة فاعتدلت في جلستها برغم تعبها الواضح بعد العملية.

 

 

نظرت إلي فقالت: “بنتك فيها الصيحة”  وراحت تحضنكما بدلال. كانت تصرفاتك غريبة يا منيرة، استغربت أن والدتك قالت هذا، كنت أكثر حيوية وتتحدثين بسرعة وتضحكين. لكن خالفتها الرأي، وانصرفت أحدث من في الغرفة، ثم هدأت الغرفة برحيلهم. وبقينا نحن، عائلتنا الصغيرة وإذ بوالدتك تقاطع حديثك وتناديك: منيرة تعالي.. وفتحت ذراعيها وقالت: “لا بأس يا حبيبتي..” انفجرت باكية، وتقبضين على أطراف رداء أمك وهي تداعب خصلات شعرك، وتهدأ من روعك قائلة: “لا بأس يا صغيرتي..”

 

“شفيها منمن؟” سألني أخوك مشعل.. وقلتها بكل صدق: “لا أدري!”

 

كنت دائما أقول أن النساء كائنات معقدة التركيب، لا أعني ذلك انتقاصا منهن صغيرتي، لكن عاطفتهن أعقد من عاطفة الرجال عموما، لكنك غيّرت من تلك القناعة فأنا اجزم اليوم بأن الإناث لا النساء كائنات معقدة التركيب! ثم هدأ روعك،  وسكنت نفسك وأخذت ترجين أمك بأن تعود معنا إلى البيت. وانتفض مشعل منافساً لك قائلا: “بابا تعرف؟ أنا بعد بصيح عشان أبي ماما!” 

“يا شيخ! خلك في اللي أنت فيه” هذا كان ردي له.

 

عدنا إلى البيت دون والدتك تلك الليلة، جلست بجانبك، اقرأ قصة النوم، هذه الدقائق حين تخلدين فيها إلى النوم هي الدقائق التي تستيقظ بها الحياة بداخلي، هي التي تكسبني الرغبة في المضي قدما لأجلب لك السماء حين تريدين النجوم، فأنا أب وهكذا قلوب الآباء كما يقولون.

 

سألتك: “لم بكيت؟”

“ما اعرف بابا، بس هني عورني يوم شفت ماما مريضة..” واشرت إلى قلبك.

 

 

بنيتي، العمر يجري وها أنت تكبرين أمامي، وبداخلك قلب يكبر.. تدرين لماذا؟ لأن الكبار على عكس الصغار في أغلب الوقت لا يدرون لم يبكون. سأذكرك دائما حين تتخرجين من الجامعة، حين تزفين عروسا، وحين تكونين أما كتلك البنت الصغيرة التي قالت لي: “لأنه هني يعورني” واشارت إلى قلبها. 

 

اودعتك للنوم، نظرت للسماء.. احم هذا القلب الصغير من الأوجاع وجنبه الآلام رباه. هذا كل ما يسألك قلب هذا الكهل.

 

كل عام وأنت وقلبك بخير يا صغيرتي.

 

 

 

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات