1023281_1437685584
مؤسسات افتراضية

أذكر مذ سنوات وفود خبير أجنبي لم يجد حرجاً في أن يتفوه بما يدور في خلده بعد أن أمضى عدة أيام وأثناء مؤتمر صحفي فقال ما مفاده: “أن السويسريين، على سبيل المثال، اتقنوا صناعة الساعات، ثم اشتهروا بها. المشكلة المؤسساتية التي تعاني منها القطاعات في هذه البقعة من العالم هي رغبتها الحارقة في الشهرة دون بذل أي جهد نحو اتقان أي عمل.

وهذا مرض، ومرض خطير ينبغي علاجه. “

 

كان هذا التصريح قبل الوسائط الاجتماعية وانفجار معدلاتها حتى أصبحت كل مؤسسة سواء خدمية أم غير خدمية تقحم نفسها عبر تلكم الوسائل رغبة في أن يلتفت الجمهور لها، وكل مسؤول يقيم فريقه بعدد اللايك، والفيفرت والفولو! الشعبية، والجماهيرية لا لعمل يتقن أو تفوق في خدمة، فقط لمجرد الزخم الإعلامي. وعليه رأيت أن أصنف المؤسسات اليوم بحسب هذه الوسائط، عل الأمر يبلغ هؤلاء كدلو ماء بارد يصب على رؤوسهم فيعدلوا ويعودوا إلى صوابهم، وإن كنت أشك أن نشوة الشهرة قد بلغت مبلغها فلا أحسبهم يستيقظوا مما هم فيه. ففيما سرد للأنواع على سبيل الذكر لا الحصر:  

 

١- المؤسسات الواتسآبية: مؤسسات تروج الإشاعات عن نفسها، وفي صفوفها من إقالات، وتعيينات وإعادة هيكلة فإذا كلت وملت راحت تروج إشاعات عن غيرها من نفس القطاع، أو في قطاعات أو جهات لها علاقة بها. تتلقف كل جديد، وتلتفت إلى كل تعيين على أنه إما بزوغ فجر مؤسساتي جديد لها، أو أنها قوى الظلام التي تحيك المكائد لها بتعيين شخص ليس له علاقة لا من قريب أو بعيد بالقطاع ناهيكم عن المؤسسة نفسها. في هذا النوع من المؤسسات، تظهر “الشللية” والتحزبات ويزيد رصيدك لدى مديرك بقدر ما تقوم بدور الرقيب والمخبر المؤسساتي الذي يعلم الإدارة بأي شيء إلا عمله، والتقييم السنوي مبني إلى حد كبير على مودة المدير لك.

٢- مؤسسات فيس بوكيّه: في هذا النوع من المؤسسات هناك قاعدة عامة، الأشخاص فيها أكثر شهرة من المؤسسة ذاتها. تتسم هذه الشريحة من المؤسسات بالضبابية ويكتنفها الغموض، مجرد أن فلان على رأسها وفلان بن فلان، وفلان بن فلان.. لحظة أليسوا أقاربا وبني عمومة؟ لا.. لا من بعيد، مجرد صدف. ودائما يكال المدح لمن يترأسها، فتسأل عن استراتيجيته مثلاً فيقال لك: ما شاء الله عليه متواضع!

تعجب وتحدث نفسك: وهل أردت طلب يد كريمته؟

تطرح السؤال مرةً أخرى: يا أخي حدثني عما فعل؟

فيقال لك: لا تكون سلبي وعدو للنجاح يكفيك بأن المؤسسة كانت تعيش حالة من التسيب وبفضل جهوده واهتمامه بالانضباط والحضور والانصراف، أصبحت مثلاً يحتذى به. ويبقى الضباب سيد الموقف، ويبقى الأخ أشهر بوجهه الحسن من المؤسسة بإنجازاتها.

 

٣- مؤسسات انستغرامية: وهي تلك التي يظهر فيها خد المدير أكثر من شعار المؤسسة، فيظهر لك أربع مرات في الجرائد المحلية، وسبع مرات في القنوات التلفزيونية حتى لو فتحت برنامج عالم الحيوان -أجلك الله- على القنوات الثقافية  لخشيت أن يظهر لك معلقاً على مواسم تكاثر الفيلة وكيف أن جهوده وجهود طاقمه لا شك كان لها سبب مباشر في تكاثر الفيلة حول العالم، وأن ذلك من ضمن خططهم المعلنة عنها! باختصار، المؤسسة هذه ستتبعك عبر فرسان الإعلام والديجتال في كل مكان، وفي كل زمان، وعبر أي وسيلة إعلامية تقليدية أوجديدة المهم أن تحفظ خد المدير.

 

٤- مؤسسات توترية: في هذا النوع من المؤسسات يتم حشو رأسك بمعلومات لا قبل لك بها، لا أول لها ولا آخر عن التحدي الذي تسعى المؤسسة لعمل شيء تجاهه، يتم إعلامك بالثانية بكل شاردة وواردة عما تنوي المؤسسة فعله إزاء المشكلة التي تمسك، بالخطط التي تزينها اللوحات البيانية، بالتواريخ والأرقام. ستعرف كل وفد جاء وكل زيارة قام بها المدير العام. وحتى يحين الأجل إما تُقبض، أو يُقبض المدير العام، أو يتم ضم الجهة أو إلغاء وجودها وستبقى أنت واللوحة البيانية تتأملها بكل براءة قائلاً: والتحدي؟

 

٥- مؤسسات سنابيه: وهي مؤسسات اللحظة، تعيش اللحظة مع المؤسسة فجأة ومن دون سابق أي إنذار زخم إعلامي جبار ومهول، فرقعة تصم الآذان، ودعايات في الأماكن العامة تسحر الأبصار، وتغطية تجعلك تتوجه للبنك لكسر وديعتك لتدعم الهدف النبيل التي يتحدث الجميع عنه، وبمثل ما ظهرت هذه المؤسسة تختفي فجأة ومن دون مقدمات وتعود للصندوق الأسود حيث لا تدري ما يدور في داخلها، وهي لا تود منك أن تتذكر أي مما عرضته من أهداف أو نتائج بعد أربع وعشرين ساعة من العرض، تماما كمقتطفات سناب. أهم شيء وناستك.

 

===

بعيداً عن الهزل، الإعلام وسيلة وليست غاية، وقد أوجدت هذه المؤسسات بقصد خدمة المواطن في المقام الأول. وكلنا يعلم فوائد التواصل مع الجمهور، لكن التواصل فقط دون العمل الحقيقي على خدمته فيه تعطيل للمصالح وتضييع للأوقات وتبديد للأموال العامة.

 

همسة على البرايفت: اتقن العمل أنت وطاقمك طال عمرك، ثم تصوّر في كل زاوية وخذ سيلفي كما تشاء.

 

 

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات