هناك أشخاص مرتبطون بذاكرتنا، قد يكون هؤلاء أقاربك أو نَفَر من عائلتك، أصحابك أو زملاء عمل، أو مجرد معارف وجودهم في حياتك أشبه بوجود مرساة للذاكرة تثبت بها ذكريات من مراحل مختلفة من عمرك.
مؤسف أن يتغير هؤلاء، فيتنكرون مما كانوا عليه، يتبدلون يتحورون، ينسلخون مما كانوا عليه وبالرغم من أنك لست قريبا منهم بالقدر الذي يجعلك تسألهم بكل بساطة: ما أصابكم؟أفهم أن يتطور المرء في تفكيره، أفهم أن تتبدل قناعته لكن أن ينسلخ من كل خطوة بلغت به إلى هنا؟ كيف؟ تود أن تذكرهم بما يجمعكم من ذكريات لكن تكتشف أن الحاضر بموقعك منهم أقوى وأشد كثافة من الماضي. ولست بذلك البعد منهم بالقدر الذي يجعلك لا تأبه ولا تكترث لأمْرهم.
مع تقدم الزمن تضيق دائرة الاهتمام بمن حولك، وتنحسر عن اهتمام المرء بالقبيلة فالعشيرة فأهل البيت ثم لا زال بِنَا الزمن حتى رأينا من يقول نفسي نفسي..
لكن أن تكون ممن عاصر بعض ما تقدم ولكنك تعايش هذه المرحلة من هذا اللا اكتراث بدعوى دع الخلق للخالق، لهو أمر محزن أنا لا أطالب بالوصاية عليهم بقدر تفقد أمورهم كصديق يصدقونه في ساعة صفا هل هم سعداء وأنت تراهم يحطمون أنفسهم تحطيما؟
مجرد السؤال أصبح ينطوي على مساحات من عدم اللباقة وافتقاد الكياسة. ثم أنت بعد ذلك تخشى أن يقدّرون سؤالك عن حالهم لا يخلو من حسد أو غيرة، أو تصور لما كانت عليه علاقتك بهم فيما مضى. تشاهدهم يغرقون؟ أم تغرق معهم كما
تسائل بهاء طاهر في إحدى رواياته؟
أود أن ترى حياتي كشريط متصل من النمو العقلي والشخصي، لا أود أن تبدو كمشي متعثر مترنح تتجاذبه الأهواء والنزعات، والأفكار والرغبات لأن هذا سيمضي حتما للضياع، كضياعهم لكن في جهة أخرى. أود أن أستطيع تبرير كل رد فعل، وكل فعل على نحو تبدو فيه ملامح الطفولة وتبرز فيه ملامح الشيخوخة، حدود لا أحيد عنها وقناعات لا تتغير لأننا بدون خطوط حمراء مجرد مساحات بيضاء فارغة بلا معالم.