صحة، وستر، وعافية

زرت مريضاً بالمستشفى بصحبة قريب لي يمتهن الطب، وعلّي أقول أني فهمت لم كره الناس قديماً تزويج بناتهم لحفاري القبور، لأن قلوبهم تغدو قاسية نظرا لطبيعة عملهم. حتى إذا وصلنا الغرفة رأيت مريضاً تربطه الأنابيب وتحاصره الأجهزة، وتومض الأضواء من فوقه، وتصب أكياس سوائلاً في جنبه الأيمن، وتفرغ سوائل من جسده إلى أكياس علقت بجنبه الآخر، كان الطبيب المرافق لي يرى  بكل بساطة حالة طبية. سلم على المريض كما يفعل الأطباء المناوبون، وأخذ يشرح لي بشغف وكأني أشاهد برنامجاً طبياً على قناة ديسكفري، يهمس في أذني: “هذه الحالة مصاحبة للأخرى وحين يخطأ الكثير في فهم الجسد البشري فيظنون أن العقل البشري له أولوية الحصول على الدم، فإن الأمر غير صحيح  نعم غير صحيح – وقاتل الله الواتس آب الذي أخرج علينا اكتشافات طبية لم يتخيلها الأطباء في أقصى حالات التفاؤل – ارجع فأقول أن الجسد البشري لا أولية له بدليل وجود مرضى في غيبوبة يتعطل معها الدماغ مع قيام الجسد بكافة عملياته الحيوية على أتم وجه، الأمر أشبه بأحجار الدومينو ما أن يقع حجر حتى يتبعه الآخر”  

ثم راح يتمتم بنفسه: ما أجمل الجسم البشري وما أكثر تعقيده!

نعم يستطيع القلب أن يعيش بكفاءة تبلغ ٢٠٪ هل تعلم مدى إعجاز هذا؟ هل تعلم روعة الحياة حين تكون الحياة بهذه الهشاشة لكن يمضي أحدهم سنين وهو حي يرزق حين يموت من قلبه أعلى كفاءة وفي مقتبل العمر؟

ذهبنا للخارج أشعل سيجارته، ابتسم حين عاين وجهي: آه أنت متأثر، نعم هذا جميل، لكن حين تعمل بجانب الموت على مدار الساعة، يصبح الموت جزءاً من الحياة أقرب مما تظن، بالنسبة لك كشخص لا يعمل بجانبه فالموت نقطة في حين أن الموت بالنسبة لنا فاصلة، ففي نفس الغرفة ترى مريضاً ينتزعه الموت، وفي نفس الغرفة تجد آخراً تجذبه الحياة فتحتضنه من براثن الموت.

تذكرت ما قلته لزميل في العمل قبل التوجه لزيارة المريض حين سألني ماهي أهدافك للعام ٢٠١٦؟ فقلت بدون تفكير: صحة، وستر، وعافية.

 

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات