عالمك الصغير

لم تعودي تبكين حين أوصلك للمدرسة، بل إنك تضحكين إن هممت بمساعدتك في النزول من السيارة وأنت تقولين: بابا.. خلاص كبيرة منيرة. 

لم تعد هذه اليد الصغيرة تعانق يدي في كل وقت، اللهم إلا حين تقلقين من مرور سيارة فأنت كما تقولين: كبيرة منيرة.

وحين أعود متعبا إلى البيت فأنادي عليك مرة تلو الأخرى ويزيد اسمك عذوبة في فمي، وتبحث عيناي في أرجاء البيت عنك، وتلهف نفسي لأن أجثو على ركبتي فأعانقك،  ويشتاق سمعي لحديثك المقطع المبعثر. اسمعه كأجمل ما سمعت من الأحاديث تشويقا. فتصدمني والدتك قائلة: بنتك كبرت! راحت حق بنت خالتها، صار لها طلعات. 

فلا أصبر حتى اهاتفك: وينج؟ أبوج يدور عليج.. تعالي وحشتيني. “بعدين يا بابا” 

هذا العالم الصغير.. عالمك، آخذ في التشكل والنمو حيث تزيد المسافات التي تبعدك، وحيث تطول الأوقات التي تفصلك..حيث تبحثين عن السعادة بعيدا عن هذا الرجل الذي يكفيه أن يرى صورك في شاشة الجوال  بابتسامتك التي تضيء الشاشة ومساحات من قلبه. 

عالمك الصغير الذي عُرِض علي ذات يوم حين دخلت إلى غرفة من غرف البيت فوجدت والدك جالسا إلى الأرض وقد أسند ظهره لركن من أركان الغرفة. أقبلت حتى ألصقت ركبتيك بركبتي فقلت بكل براءة: شفيك بابا؟ 

قلت مداعبا: الدنيا ما تحب بابا يا منيرة.

فوثبتي تعانقيني قائلة: معليه بابا أنا أحبك أوكي؟

توقفت عن التفكير لوهلة، احتضنتك يداي دون أن أشعر وأنا ذاهل كيف أن هذا العالم الصغير وسعني ملاذا من الدنيا، إذ تبدد كل هم. همست في أذنك: معليه؟ كفاية علي وزود يا بنيتي مب بس معليه. 

صغيرتي

دعيني أحملك ما استطعت، ودعيني أساعدك على النزول من السيارة ولا تستكثري علي هذه الدقائق من الأمور حفظك الله، فهي عدتي من أعواد الذكريات لشتاء العمر. عندما يكبر عالمك بحق فتكون لك أسرتك الصغيرة، وهمومك التي ستظنينها كبيرة حتى يعانقك أطفالك كما عانقت والدك. حينها ستدركين ما أجمل هذا العالم الصغير يا منيرة يا كبيرة. 

تبهت الصور، وتضيع الهدايا وتبقى هذه الكلمات شاهدة على محبتي لعالمك صغير.

كل عام وأنت بخير يا ابنة الخمسة أعوام. 

المحب،

بابا

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp
  1. Fatima

    2015/12/28 - 11:59 ص

    بعد مشادة كلامية صغيرة مع والدي مساء أمس، اتسائل كم عوداً تركت له لشتاء العمر بعد أن قرأت ما قرأت.
    شكراً رائد

  2. أم عزان

    2016/01/07 - 10:20 م

    كيف لقلوبهم الصغيرة أن تحمل كل هذه المشاعر، وكيف يستطعون بابتسامة صافية أن يمحون كل كدر، الله يحفظها منيرة وان شاء الله تشوفها بالفعل كبيرة حاملة نجاحات الدنيا بيديها

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات