duck-05
سنة البط

“إن أهل الخليج لم يصدقوا أن المرء يسافر بقصد المتعة فقط” 

الرحالة الألماني هرمان بورخارت -١٩٠٤ ميلادية 

هناك الكثير من الأحداث التي ارتبطت بسنة ٢٠١٥ سواء على الصعيد الإقليمي كاتفاق إيران النووي، وعاصفة الحزم، وهبوط أسعار النفط، وتصعيد تنظيم داعش هجماته ضد دول الخليج العربي أو على الصعيد الدولي كانتخابات الرئاسة الأمريكية، وكارثة اليونان الاقتصادية. لكن في ذاكرتي سترتبط هذه السنة بحدث بعيد عن هذا كله، وهو غزوة البط المباركة التي قام بها شباب خليجي – زي الورد – في ربوع أوروبا فسجلوها ونشروها على مواقع الانترنت من باب “الدال على الخير كفاعله” فهل كانت ترتعد فرائصهم أثناء قيامهم بسرقة البط؟ لا والله، بل هو ضحك المطمئن الواثق من ستر الله عليه، المحسن الظن بربه، فوالله إذ رأيتهم وهم يضعون البطة في الحقيبة فأمكن الله لهم، وسلمهم من عدوهم الكافر، فلله الحمد من قبل ومن بعد، ويومئذ يفرح المؤمنون. 

 وهنا تفنيد ودحض لبعض ما قيل عن فرسان غزوة البط المباركة، وفعلهم الذي استهجنه العوام من الناس على الانترنت قاتل الله سوء ظنهم بإخوانهم: 

1. يا غريب خلك أديب

بل وذهب البعض لقولهم بأن الفيزا عهد بين الزائر وحكومة البلد بأن يمتثل الزائر الخليجي بقوانين البلد الأوروبي، ويشمل هذا عدم التعرض للمرافق العامة بتخريب أو سرقة بط أو بجع. ولله در الأخت الفاضلة: “بنت أبوها١٩٩٨” التي قالت بكل فخر: (طوط) فيهم، بفلوسنا وكيفنا! 

صحيح، أصابت كبد الحقيقة فنحن بذهابنا في رحلة الصيف إلى مواطنهم نرفع من اقتصادهم الواهن، ونحول بينهم وبين الانهيار الكارثي الذي حل بإخوانهم في الكفر في اليونان. فهل من عاقل يضحي بكل هذا من أجل بطة؟ ثم إن البط من صيد البحر، فنالته أيدي شباب الخليج المسلم, فالشكر لكل من دعا لهم بالعافية والصحة وأن يزيدهم الله من فضله. 

 2. الفعل يسيء للجالية الإسلامية والمسلمين، وللإسلام.  

بل ذهب الكفار فيما ترامى لنا بمحاولة صد الطوفان الخليجي، فذهبوا إلى برلماناتهم، وجمعياتهم مذعورين يناشدون سلطاتهم، وأهل الحل والعقد من بينهم أن أوقفوا هذا المدد، فقننوا دخولهم، واقتصدوا من منحهم رخص الدخول لكن هيهات. سنخوض معاركنا معهم، ونعيد البط المغتصب. 

لم الخوف من شباب الخليج؟ هل اختفى البط من سائر البحيرات؟ لا، لكن الفعل أثبت أننا قادرون، لا ينقصنا شيء، فاليوم “بطة سودة”، وغداً بقرة إن شاء الله. بل لن أعجب إذا ما تواترت الأخبار بعد ذلك عن طريق الواتس آب بازدياد أعداد المسلمين في أوروبا بهذا الفعل، والذي انتقده آخرون فقالوا: حتى الكلاب الضالة الشاردة – أجلكم الله – في ذاك البلد لم تفعل فعل هؤلاء. 

3. الفعل ينم عن همجية، وواقع مريض

هكذا قال المتفيهقون، وتبعهم المثقفون فسابقت ألسنتهم أقلامهم يقولون ” هناك خلل، وخطب جلل، أين التربية وأين التعليم؟ وأين القيم وأين المفاهيم؟” وشاهدت من استدل بالفقرة التالية من كتاب العرب وجهة نظر يابانية –لنوبو أكي نوتوهارا: 

“لذلك لا يشعر المواطن العربي بمسؤوليته عن الممتلكات العامة مثل الحدائق العامة والشوارع ومناهل المياه ووسائل النقل الحكومية والغابات، باختصار المرافق العامة كلها ولذلك يدمرها الناس اعتقاداً منهم أنهم يدمرون ممتلكات الحكومة لا ممتلكاتهم هم . وهكذا يغيب الشعور بالمسؤولية تجاه افراد المجتمع الآخرين “

 دون أن يلتمسوا العذر لإخوانهم. هل جال في بال أحدكم أنهم جياع؟ وعل أحدكم يصرخ فلم سافروا إن لم يملكوا المال؟ لقلنا له: لحماية أعراض المسلمين المسافرين، ولإقامة شرع الله المكين. هل تفقد أحدكم حالهم قبل أن يسارع بالحكم عليهم؟ هل فكرت لوهلة أنهم أرادوا ذبحاً إسلاميا دون أن يرتابوا فيما يُقدم لهم من طعام؟ أين أنت من ورعهم؟ فيا ليتك فعلت فعلهم أو دعوت الله لهم بأن يوفقهم في محاولات قادمة إن شاء الله. 

4. الفعل قام به شرذمة، ولا يجوز التعميم

والشبهة مردودة عليكم، فإن كان كما تقولون فلم محاولة وضع النسب القصوى من الفيز؟ إنهم يخافون المد، بل إن شاء الله سيأتي اليوم الذي يكون فيه لكل مسافر خليجي حر بطة حرة أبية. 

5. سرقة البط مجرد “هياط” 

كم من “هههه” طُبِعت؟ وكم من Emoji ارتسمت على شاشاتنا بفعل هؤلاء الثلاثة الذين ضاقت عليهم مطاعم أوروبا، ففتح الله عليهم بحيرات وأراضي خضراء، فادخلوا علينا السرور، وضحكنا معهم؟ الهياط من نصيب أصحاب السيارات ذات الألوان الصارخة وإن كنت شخصياً أرى أن في هذا إظهار لنعمة الله علينا، والتكبر على الكفار المتكبرين تواضع، لكن لسنا بصدد الحديث عن هذه الفئة التي تسد ثغراً آخر من ثغور المسلمين. 

وبارك الله في الجمع المشاهد المؤيد والذي دعا لعدم تضخيم الأمر، فهي مجرد بطة، والجمع الآخر الذي خلط الأوراق فقال: لا تفعلوا شيئاً بهؤلاء، وأينكم من سرقة المليارات ونهب أموال المسلمين؟ وكأن العدالة لا تملك سوى يد واحدة فإن أطبقت على هؤلاء تفلّت الآخرون. 

 

يقول أبو الحسن الندوي رحمه الله في كتابه ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين: “إن العالم لا يسعد وخيرة الشباب في العواصم العربية عاكفون على شهواتهم تدور حياتهم حول المادة والمعدة لا يفكرون في غيرهما” 

فوددت لو كان أبو الحسن بيننا إذاً لقرت عينه بفعل هؤلاء الذين ضحوا بأنفسهم في سبيل البط، وأقاموا سبل المجد، وبينوا الطريق لبقية تالية ستفتح روما بإذن الله. 

 وعجبي.. 

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات