قواعد اللعبة تغيرت!

“العصر الحجري لم ينتهي بسبب نقص الحجارة، وعصر النفط سوف ينتهي قبل أن ينتهي النفط”

أحمد زكي يماني

وزير النفط السعودي السابق

====

أثناء قراءتي لرواية العمى للمبدع والحائز على جائزة نوبل للآداب جوزيه ساراماغو، والذي يبرع في سرد أحداث تزلزل من تنزل به كانقطاع الموت مثلاً عن البشرية أو انتشار مرض معدي يسبب العمى لكل من يصاب به ، فتشل الحياة وتتجرد الإنسانية من كل قيمها، ترامى إلي حديث في المجلس عن سيارة ما، سألني صاحبها: ها ودك تجربها؟ 

قلت: لست ممن يهوى السيارات. 

قال: تعال فجربها، هي أعطيت لي على سبيل التجربة فلم لا تجرب قيادة سيارة بالكهرباء؟ 

اعترف شدّني موضوع الكهرباء. حلم القرن الماضي، وتجاربه المحدودة أصبحت معروضة لاستخدام العامة. فعلت، فكانت قيادتها سلسة، سريعة ودون أي ضوضاء، حتى أني اشتبهت بمحركها وأن بها عطب ما لأنها تكاد لا تصدر سوى احتكاك الإطارات بالإسفلت من تحتها. السيارة تستخدم كل من الكهرباء والوقود التقليدي، وما أن تصل في عدة ثوان إلى ما فوق مئة وعشرين كيلومتر في الساعة حتى تستخدم الوقود التقليدي ويتم تعبئة البطارية الكهربائية أثناء استخدامك للوقود. 

ترجلت منها، ومشاعري اختلطت علي، سألني صاحبي: ها؟ كيف وجدتها؟  

قلت: تجربة جميلة ومرعبة في آن واحد. جميلة لأن قيادتها رائعة، ومرعبة لأن العالم بات يستشف عصراً بلا منتجنا – نفطنا وغازنا – بدوننا!

أما عن الذي دعاني لهذه الإجابة هو تزامن تجربتي مع إعلان المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لمجموعة الثمانية بالتخلي عن الوقود الأحفوري كحد أقصى مع نهاية القرن الحالي. الإعلان قوبل بترحيب الجماعات المدافعة عن البيئة، وانتقد البعض المجموعة لعدم وضع آليات كفيلة بتحقيق هذا الهدف قبل الوعد المحدد، لكن الإعلان واجه أيضاً انتقادات وتشكيك عن مدى قدرة هذه الدول الصناعية لتحقيق هذه الغاية، أي التخلي عن مصادر الطاقة الهيدروكربونية حينها. أياً كان رأيك، فالعالم ماضٍ نحو عصر ما بعد النفط.  ما يهم الآن أن هناك معطيات آخذة في التغيير، الأهداف ترسم من قبل الحكومات، جماعات الضغط تناشد المزيد من الآليات، القطاع الخاص آخذ في تلبية الحاجة المتزايدة لمحركات تستخدم طاقة متجددة أو نظيفة كما هو الحال مع شركتي بي إم دبليو، وتسلا. مراكز الأبحاث دوما تحاول إزاحة حد المستحيل وإدخاله ضمن دائرة الممكن (كما هي تجربة تحليق طائرة حول العالم باستخدام الطاقة الشمسية)

ولنبحث في الاحتمالات للدول المنتجة للنفط والغاز، وهي: 

١-الاحتمال الأمثل: أن تفشل دول الثمانية في تحقيق هذا الهدف في الموعد المضروب، سيتم انتقاد الحكومات حينها وسيتم تمديد المهلة لكنها – أي المهلة الإضافية – لن تتجاوز المهلة الأصلية (٨٥ سنة من الآن) ولنقل أن لدينا من الوقت حوالي المئة عام – الفترة الأصلية حتى ٢١٠٠ بالإضافة لفترة تمديد ١٥ سنة-قبل أن يصبح هذا المنتج الذي بحوزتنا عديم النفع. 

٢-الاحتمال الأسوء:  

أ. يقع ظرف طارئ يحول دون انتاج النفط والغاز بالكميات المطلوبة حتى ذلك الحين.

ب. يتم تحقيق أو اكتشاف طريقة تغني عن مصادر الطاقة الهيدروكربونية قبل العام ٢١٠٠. 

أضف إلى هذا كله، المعطيات متوسطة المدى١ أثناء الخمس وثمانين عاما المقبلة. هذه هي اللعبة التي تهمنا، والتي ينبغي أن نصرف جميع همومنا نحوها، هذه القواعد التي ولا شك تغيرت، وأي قواعد أخرى نستطيع الحديث عنها لاحقا. 

وسط هذا كله علينا التفكير جدياً بما نود أن نفعله إزاء هذه المتغيرات، ولأكن صريحاً.. فالتنوع الاقتصادي عبر الصناديق السيادية كحل وحيد لهو حل غير مضمون كما حصل في العام ٢٠٠٨ مع انهيار الاقتصاد العالمي وتعرض أربع حكومات خليجية لخسارة بلغت ٣٥٠ مليار دولار أمريكي، الجدير بالذكر أن تعويض خسائر هذه الصناديق لم يتم حينها إلا عبر الاعتماد على عائدات المنتج التقليدي -النفط والغاز ومشتقاتهما-والقطاع الخاص إلى حد كبير يعتمد في دول الخليج العربي على تلبية احتياجات قطاع النفط والغاز إما بشكل مباشر أو غير مباشر.  أما التنوع الاقتصادي عبر محلات العباءات، والكب كيكات وتطبيقات الهواتف الذكية شيء جيد بل وممتاز على الصعيد الفردي، وإلى حد ما على الصعيد القومي عبر خلق فرص الوظائف لكن لن تكون بديلاً للدخل الناتج عن بيع النفط والغاز. 

الأمر يلزم أكثر من مجرد إعطاء القطاع الخاص جزء من عائدات النفط، أو تصفيق وإعطاء جوائز لريادي السنة والاحتفال بالمشاريع الشبابية. يلزمنا استحداث قطاعات وصناعات بديلة، اعلم أن مجرد القول سهل، ولا أحبذ “الفلسفة” لكن الوقت يمضي وأخشى ما أخشاه أن نكون سرداً واقعياً لأحد روايات ساراماغو حيث التغيير يأتي على حين غفلة، فيذهل الناس. أن يأتي سريعاً، وبدون أي جلبة ولا ضوضاء كما في محرك السيارة التي جربت قيادتها. أو أن يأتي التغيير شيئاً فشيئاً كما قرأ الناس عن المصباح الكهربي لإديسون على ضوء مصابيح الكيروسين. أيا كانت هيئته، فالتغيير قادم، ولا نود أن ننقرض مع قدوم عصر ما بعد النفط. 

====

١ ازدياد الاعتماد على النفط والغاز الصخري على المدى القريب من قبل الدول المنتجة له، والضخ المتوقع لكميات إضافية من النفط الإيراني بعد رفع العقوبات.

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات