عَبرة و ِعبرة


أوصدت باب السيارة, وتبعت أبي حيث تجمهر رجال كثر كأنهم بقايا محاولات كاتب مغمور يمزق أوراقه ليلقيها في عبث هنا وهناك, تخللت القوم وأنا ألملم أطراف حادثة مبعثرة برأسي أودت بحياة هذا الشاب الذي لا أذكر منه سوى عنايته الفائقة بهندامه و طموحه المعانق للجوزاء فرجل يقول : قد ثقب الحديد لحمه وفتت عظامه, و آخر يتحدث عن إستثمار وعقار لا علاقة لهذا بالمأتم! وقفت عند شاب يصف بدقة ما آل إليه أمر الشاب لمحتسي الشاي: ” صارت جثته و ابنته كاللحم المنظوم في السفود.” هناك كهل يعجب و صاحبه لجري المقادير كيف نجت زوجته من هذه القضبان الحديدة ؟ لأن الدرع الوحيد الذي اتقت به القضبان أن تثقب عنقها ما كان إلا رأس ابنتهما الجالسة في حضنها. هذا يقول كان مسرعاً هداه الله و أصر التحرك ليلاً والآخر يشكو عدم سن قوانين لمرور الحافلات ذات الحمولة الثقيلة. لم أعد أقوى سماع وصف الأشلاء و الدماء فأنا طفل, خرجت وفي نيتي النسيان ونسيت أني لست بحاجة لجهد فأنا إنسان.انطوى ذكر الرجل و درس قبره, تنازع إخوانه ورثه وتزوجت إمرأته من بعده. دخلت البيت بعد عدة أعوام أعزي القوم في وفاة أمهم و أواسيهم في مصابهم, تجهزت بمواعظي وما أحفظ من آي وأحاديث

دخلت ولم أكترث بجمع التفاصيل هذه المرة فاخترقت الصفوف إلى حيث جلس أبنائها.و ما أن جلست بجانب أكبر الأبناء, إذ به يقول باكيا بحرقه: اليوم فقط, اليوم فقط لم يدع لأخي المتوفى أحد… اليو.. اليوم فقط لم تدمع عين عليه ولم تهج ذكراه بقلب, من سيبكيني ويترحم على إن أنا مت؟

ضاع بياني, و نسيت كلامي.. طأطأت رأسي و أرسلت دمعي و لزمت الصمت

=======

أوْصَدَ البابَ: أغلقه

رَجُلٌ مَغْمُورٌ : مَجْهُولٌ

الهِنْدَامُ: حُسْنُ القَدّ وتنظيم الملابس

الجَوْزَاءُ : برج من بروج السّماء

آلَ: رجع أو انتهى إليه

السَّفُّودُ : عودٌ من حديدٍ يُنظَمُ فيه اللَّحمُ ليُشوَى

دَرَسَ : عفا وذهب أثرُه

 

 

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات