بطل لليلة واحدة

img-1

هذه الرواية حقيقية في عالم وهمي. === ها أنت ذا! اقبل ووجهه متجهم بعض الشيء ويبدو عليه بعض الحرج. “مرحبا براندون، ما رأيك في هذا التعذيب الذي تعرضنا له؟” سألت وأنا أضحك، إذ خرجنا للتو من امتحان لمادة هندسية وقد عُرف عن أستاذ المادة أنه يأتي بامتحانات تعجيزية، لكن ليس السماع كالمعاينة وقد كان مستقبلي ومستقبل براندون مرهونا بنجاحنا في هذه المادة وفي فصلنا الأخير من دراسة الجامعة. “هناك مكان مخصص في الجحيم لمثل هؤلاء الأساتذة الجامعيين!” قالها وأكاد أقسم أني سمعته يكيل الشتم والسباب للأستاذ الجامعي ولم أعهد هذا منه قبل ذلك. “ما هذا؟ يظهر أن مرتادي الكنائس يحسنون السباب أيضا؟” ضحك وهو يقول ” هم من اخترعوه أصلا!” ثم أخذت تعابير وجهه موضع الجد فقال: رائد.. يجب على الاعتذار يا صاحبي عما تعرضت له ليلة البارحة في بيتي، حين كنت أبحث عن الكتاب الذي حدثتك عنه في الغرفة الأخرى فقد أخبرتني زوجتي بما جرى لك وأخي الأكبر. لا بأس يا براندون، ما كان هذا ليغير من نتيجة الامتحان من شيء! “كان بإمكانك المذاكرة!” رفع حاجبيه وزم شفتيه وهو يلوم نفسه ولكني فعلت بعد الخروج من منزلك، فكان الامتحان قطعة من جحيم مستعر كما رأيت واصدقك لو أني ذاكرت لامتحان كهذا عمري بأسره ما زدت على ما “هببت” أحقاً ذاك؟ ما الذي تعنيه؟ أعني أن لقاءك ب “سام” وهو ثمل وطلبه منك أن ترحل عن البيت.. لا عليك، أعلم أن الكثير يؤلمهم ما حصل قبل بضعة أشهر في نيويورك، ولا ألومهم تماماً فالكثير فقد حياته، وهناك حالة من الاحتقان وغضب. صحيح لكن لم يكن لك شأن في أي من هذا! لا عليك. “ما رأيك لو ذهبنا لمطعم بالقرب؟” أشار على ولم أجد حرجاً في تلبية دعوته. جلسنا في مطعم قريب من الحرم الجامعي، ليس الأثاث في هذا المطعم البالي كما يتخيل الناس المقاهي الحديثة، حيث موسيقى الجاز والأثاث الذي يبعث في الارتياح في النفس. بل ليس هذا الجزء من الولايات المتحدة الأمريكية كما يتبادر لمخيلتهم، حيث لا ناطحات سحاب، ولا سيارات فارهة، أو صخب أو أي شيء من هذا القبيل في قرية ليك تشارلز الجامعية التي تنام مع آخر محاضرة! اللهم إلا بعض النواد والمحلات هنا وهناك. كانت رائحة القلي تعم المكان، جلسنا وإذ بسيدة مكتنزة شعرها أهوج يحيط بوجهها وقد تدلت الاف المفاتيح من عنقها، وتنظر إلينا من خلف نظارة سميكة تكبّر عينيها إلى حد تبدو معه كأنها بومة عظيمة! إلينا هو اسمها وهي صاحبة المطعم، والقائمة على حساباته، والنادلة أحياناً والطاهية أحياناً أخرى لكنها في كل من هذه الأدوار تبقي على جوهرها وهو التذمر من رداءة عمل من تحل محله، أو تقوم بدوره فمثلاً تسمعها تهمهم عند الآلة الحاسبة وتتذمر من الآلات العديمة النفع التي تحسب سعر الأشياء وتجهل قيمتها! أخذت تقترب منا، إذ كانت تسد مكان النادلة، ألقت التحية ثم تساءلت: أنتم هؤلاء الأذكياء من كلية الهندسة أليس كذلك؟ ابتسمت قائلا: صحيح لكن لا أظن أننا أذكياء بحسب امتحان اليوم. تصنعت الغرابة والدهشة، وأومأ براندون برأسه قائلاً: هذا صحيح! “بربك؟” تصنعت الدهشة فأجاب “إنه أحد هذه الامتحانات التي يجعلك تتساءلين في منتصفه ما الذي أفعله في حياتي؟ ولم أعرض نفسي لهذا البلاء؟ احت: تبا لهؤلاء الأساتذة…! رفع عجوز رأسه ناظراً إليها فسارعت: لست منهم بروفيسور! أنت مثال لما ينبغي الأساتذة عليه يا عزيزي. ثم التفت إلينا وهي تضحك قائلة: اعلم ما الذي تحتاجانه. توجهت نحو المطبخ بعد أن قيدت ما طلبنا، ولم يكن بذاك البعد لكنها تفعل ذلك لتتذمر من شيخوختها، وعظامها، والضرائب التي تطالبها بنصيب من الأرباح ولا تتساءل عن الخسائر والجهد الذي تكبدته في تحصيلها وجنيها. تسمرت عيناها نحونا ووجهت فمها نحو المطبخ حيث الكثير من الجلبة والدخان وأصوات القلي وروائح الشواء، “قلتما بأنه كان جحيما؟” صرخت وهي تضحك ثم أعادت وجهها كاملاً نحونا وهي تضحك وهي تقول: “أنتم في ضيافتي اليوم، لكن أتمنى ألا تجعلوا من هذا الأداء عادة حيث لدي عمل لأديره وليس ملجأً للتعساء. يوم آخر وامتحان آخر فلا عليكما” ورجعت إلى عشها بكل حذر وبطء، حيث تجلس خلف آلة حاسبة تصدر رنيناً وتخرج بأوراق بالية لا يراجعها أحد فإلينا كانت جزءا لا يتجزأ من معالم الجامعة، والطلاب ما هم إلا أفراد عائلتها التي تجهل أسمائهم. انتهينا من الوجبة، والتي كان لا بد من شكر إلينا عليها، والحق أنه وبعد العديد من الأعوام استطاعت إلينا بكرمها من أن تصيّر بؤس ذلك اليوم إلى ذكرى احتفظ بها. ثم أثناء عودتنا إلى مواقف السيارات بالحرم الجامعي جعلنا نتبادل أطراف الحديث وإذ ببراندون يقول لي: أنت تعلم بأني من رواد الكنيسة وأني لا أشرب الخمر، لكن فضل هذا يعود لأخي الذي صادفت بالأمس. نت أستطيع التعقيب بكلمة، بسؤال أو أي شيء لكن يتفق أحيانا أن نبحث عن الفرصة أو الشخص أو الوقت الذي نقول فيه كل ما يجول بخاطرنا، لا يهم حقيقة أو هوية الشخص بقدر ما يهم ما يجول في ذاتك حينها وقد كان براندون في ذلك الحين بحاجة للحديث عن أخيه في تلك اللحظة لأي أحد، وقد كنت ذاك الأحد الذي استمع له. أكمل وهو ينظر أمامه: يبدو هذا غريباً أليس ذلك؟ أن يصدر هذا من ثمل كأخي سام! م أنه قص على تفاصيل تلك الليلة، والتي أدونها هنا عل في حياتكم أنتم أبطالاً يختلفون عن سام لكنهم أبطال لكم أيضاً. عدما ظهر البطل لأول مرة. حدث هذا في أول عام من التحاق براندون بالجامعة. ذلك أن صاحبته والتي ارتبط بها مذ أن كانا في المرحلة الثانوية قررت ذات يوم أن ترتبط بآخر، في هذه السن المبكرة كثيراً ما يتفارق ويتلاقى الأحبة! لكن براندون ولحداثة عهده بالحب، ظن أن ارتباطه سيكون بامرأة يربطه وإياها ماض ما، في حين أن الحياة تفاجئك فتربطك بالبعيد وتحل وثاق القريب، وعل صغر سنه حينها يعلل مدى حالة الثمالة التي بلغها في تلك الليلة التي لا يذكر منها أي شيء سوى أنه وجد نفسه على قارعة طريق، جلس على الرصيف، ألقى بيديه على العشب الرطب بالقرب منه وإذ به يسمع صراخاً وضحكاً من بعيد. هذه الأماكن التي يهجرها الضوء لكن الأصوات تظل تنبعث منها إما همسا أو تنفجر دوياً، علك تسمع نداء اسم ما، خطوات بشر، مواء قطط، صرصرة صفيح، صفير رياح، دوي محرك سيارة أو أصوات ارتطام قناني الزجاج على الأرض الاسمنتية. المهم أن تسمع صوتاً ما لأن الحياة تصر دائماً على أن تبقي من البراهين ما يدل عليها في كل حي مهجور، وفي كل بيت خرب، وفي كل زاوية، حتى في صدور المرضى الذين لا يرجى لهم الشفاء. ومن يدري؟ عل الحياة مثلنا معاشر البشر تخشى الموت وتبقي جاهدةً على أثرها في كل شيء، ومتى كانت هناك حياة كان هناك قليل من الفرح والكثير من الأحزان. وهنا وصل صوت أجش إلى مسامع براندون، صوت رجل مخمور أيضاً، إذ أن الكلمات التي كان يترنم بها كانت مبعثرة في غير قافية أو وزن. قال براندون بصوت عال تداخلت حروفه “هي يا صاح، أنت لا تحسن غناء هذه..” ثم سكت وهو يتعرف على صاحب الصوت، كان ذا قامة طويلة بالرغم من ترنحه، يلبس قبعة وفيه من الملامح ما لا يُنكر قرابته ببراندون. نظر إليه “ما هذا؟” وكأنه لا يصدق عينيه.. “براندون؟ أهذا أنت؟” – ابتسم ابتسامة لا تحمل في طياتها سوى الدهشة. ثم قال: تبا! أخي الصغير مخمور. ما الذي دهاك يا فتى؟ نظر إليه، لم يتمالك نفسه “مرحاً! إنه سام! تعال تعال انظر إلي في مثل هذه الحالة “ودفن وجهه وجهش بالبكاء كالطفل فجأة، دنا سام منه جلس بجانبه…وكما يذعر الكبار لبكاء أطفالهم المفاجئ أخذ يربت على كتفه ويهدأ من روعه قائلاً: ششش..هون عليك يا صغير، ما الخطب؟ “كل شيء..كل شيء أنت، أبي وأمي والآمال التي يعقدانها علي، والجامعة والآن..” هكذا أجابه براندون. نهض غاضباً واختلط صراخه بأنوار تضاء من البيوت المجاورة وصراخ أصحابها “أنت يا هذا، نحن نحاول النوم هنا” نهض سام وهو يضحك ويكيل السباب لصاحب الصوت، وفي نفس الوقت جر يد براندون إليه ليجلس على الرصيف بجانبه، وأومأ له بأن يخفض صوته. “والآن…؟” اكتسى صوت سام الجد، وأخذت قسمات وجهه تشيّع الثمالة، لم يبق إلا حمرة وجنتيه وعينيه. كان مخموراً كما كان براندون لكن علها المناعة أو الخبرة التي جعلت منه قادراً على الافاقة من السُكر أو الرجوع إليه متى ما احتاج لذلك هدأ “الآن ماذا؟” قال براندون وهو يكفكف دموعه. “ما هو السبب الذي بجانب كل شيء، بجانبي ووالدنا والجامعة الذي دفعك للشراب؟” “مولي وأنا..” وهنا توقف وكأنه لا حاجة له لإكمال البقية ليُفهم سام ما تبقى، وفي الحقيقة لم يبق شيء. “اها..! قلب محطم والكثر من الغضب والمرارة” كان مجرد التلفظ باسمها وحالة براندون كفيلة لأي شخص حتى وإن كان ثملاً باستيعاب نهاية قصة الحب التي كان مصيرها الفشل حتما. ثم اتبع فقال: “دعني احزر، واعدت مولي شخصاً آخر؟” “نعم..” “وهذا هو الذي دفعك للشراب؟” ضحك واتبع قائلاً “أنت تسيء حتما لسمعة المخمورين في أنحاء المعمورة يا عزيزي. هناك من الأسباب ما يدفعك لتكون..” ولمس مقدم قبعته وهي نوع من التحية التي يلقيها أهل الجنوب في الولايات المتحدة الأمريكية لبعضهم البعض، وأراد بها الإشارة لنفسه. “اسمع يا براندون، هناك الكثير من المصاعب في هذه الحياة، الكثير حتى لأن الحياة تثير دهشتك لمدى تفننها في محاولة سحقك. لكنك تملك ما لا أملك، وعليه فأنت لا تستطيع معاقرة الشراب يا عزيزي.” “أملك ولا تملك؟ عما تتحدث؟” ضحك “أنت مخمور ولا شك يا سام” شاركه الضحك “يا للهول أخي..المخمور..عبقري، أو.. أخي ..العبقري..مخمور..لا يهم” دعنا والضحك جانبا “الأمل…!” قال سام بدون حاجة للتفكير “نعم الأمل إذ أنك تمثل أملاً لوالدي، لي ولمن حولنا. أنت قصة نجاح ينبغي لها أن تكتب، غد نتطلع له جميعاً، وطريق شق علينا لكننا نعلم أنك ستقطعه، لذا لا تدع من مطب يسير في حياتك كتخلي أحدهم عنك يجعل منك رمي هذا كله. ما معنى هذا؟ حسناء هربت إلى أحضان شاب آخر، أهذه نهاية المطاف؟ ألم يلقنونكم في الجامعة تعداد البشر على سطح هذا الكوكب؟ هناك الكثير مثلها بل من يضاهي حسنها وشخصها” ماذا لو لم أرد الأحسن؟ ماذا لو أردتها هي؟ هل توقفت لتفكر في ذلك قبل.. “براندون أنصت إلي، استطيع أن أقول مثل هذا الكلام واتشدق به، ويستطيع غيري كذلك إذ أن حياتي ملكي وليست حياتك كذلك، مهلاً..” أخذ يعيدها همسا ثم ابتسم قائلاً لست بذلك السكر..! نعم حياتي ملكي وليست حياتك كذلك. هي ملك جميع من حولك وهذا قدرك” اكتسى الألم وجه براندون “ماذا لو رميت بهذا كله؟ لم تفرضون علي أمرا لا طاقة لي به؟ أنا لم اختر أن أكون الناجح والابن المثالي أو ذلك الصياد الذي لا يفوت موسم صيدٍ واحد مع والده” “ولا أنا اخترت يوماً أن أكون ذاك الأخ المخمور عديم النفع..” قاطعه سام ومضى بعض الوقت وهما ينظران لبض دون أن يتحدثا، نظر سام إلى السماء والتقط سيجارة من خلف أذنه فأشعلها ثم قال: “سأغدو يوماً ما رئيساً لهذا البلد” أتذكر هذا الحلم الذي صدعت آذاني به في الصغر يا غلام؟ أنا الآن موقن بهذا الحلم وإن تخليت أنت عنه. مرت سيارة مسرعة بجانبهم تسبقها الأضواء وتلحقها الضوضاء حتى خفتت أصواتها وعاد للشارع سكونه وظلمته خلا بعض الأنوار الخافتة وحديث الأخوين. أتذكر اليوم الذي بكيت فيه قائلاً أن رالف السمين قد سرق دراجتك؟” “نعم..” ضحك براندون “ما الذي يذكرك به الآن؟” “أتذكر ما فعلت به؟” “أوسعته ضرباً وأعدت إلي دراجتي؟” “تماماً كما لو كنت سأفعل مع مولي لأعيد لك قلبك! لكن ليس كل ما يسرق أو يحطم، يستعاد أو يرمم. أنت الآن رجل يقال هذا من باب التعزية، أن الرجل يظل صبيا حتى يُكسر قلبه. والآن انهض، وارم عنك هذا كله، دعنا نفكر في عذر أقوله لوالدك لتمضي الليلة مع أخاك عديم النفع. تخيل هيئة والدتك!” ضحك براندون “ستذهب للصلاة حتما..” انفجر سام ضحكاً “هذه العجوز تحسبني الشيطان دائماً..” انطلق نفس الصوت من البيت.. “:اصمتا نحن نحاول..” “جرّب الموت بدلا من النوم هذه المرة!” صرخ سام وهو يضحك وأخذا يتعثران في مشيهما، ويسترجعان بعض ذكرياتهما معا حتى ولجا البيت وانقضت الليلة.. وفي صبيحة اليوم ابتعدت شيئاً فشيء عن كل ما قد يثير في الضعف نحو الشراب، وقد ظل كلام سام لي رادعاً وهدفاً أسعى لتحقيقه. عله محق فيما قاله، أستطيع فعل الكثير عبر حياتي من أجل الغير، لذا فأنا أعيش لغاية أسمى من شخصي. اعذرني هل ظهر سام مرة أخرى؟ أعني بهذا القدر من الوعي، أو الحضور. “لا..” أجابني بحسرة، “كثيراً ما حاول أن يتوقف عن هذا الإدمان، التحق بالكثير من المصحات، ومراكز العلاج، جرب الكثير من الطرق كبرنامج الاثني عشر خطوة لكنه سرعان ما كان يتعثر في الخطوة الثالثة وفي كل زاوية يوجد هناك من يدعوه لشرب كأس، وفي كل يوم هناك لحظة يود الهروب منها من الدنيا إلى نفسه” “وما هي الخطوة الثالثة؟” سألته وقد غلبني الفضول. “أن تعقد أمرك بأن تسلّم إرادتك وحياتك للرب حيث أنك تفهمه” ابتسم قائلا: “بقي أن تعرف أن سام كان يواظب على العمل الكنائسي، وعلى حضور دروس الأربعاء” صمتنا برهة، فقال: “أنت تود سؤالي عن الزمن الذي تحول فيه والسبب الذي دفعه لذلك” تبسمت: “لا أنكر ذلك..” واصل حديثه: “هذا التحول لم يكن ذا سبب، ولم يأت دفعة واحدة ولا أظن أن أحداً يستطيع الإجابة على هذا السؤال سوى سام نفسه. أذكر أن قابلية الإدمان لديه كانت عالية جداً مذ الصغر، كان مهووسا بكل شيء يسترعي انتباهه سواء كرة القدم الأمريكية التي كان يعد نفسه للالتحاق بدوري المحترفين فيها، أو دروس الكنيسة التي برع فيها وراح يحفظ صفحات من الانجيل لمناظرة أقرانه. الأمر الذي أستطيع أن أقوله هو أن العديد من القرارات المصيرية في حياتنا قد تحدده مواقف يسيرة وأمور بسيطة تماماً كما جرى لي في تلك الليلة. من كان يدري ما تؤول له حياتي إن كان صاحب الصوت غير سام؟ لو أن الحياة لفظت شخصاً آخر من هذه الطرقات المظلمة؟ وحقيقة أنا حائر. هل الأمر عبثي لهذا الحد؟ أم أنه مقرر سلفا. تستطيع أن تنظر للأمر من كلا الناحيتين دون أن ينقص هذا أياً من التفسيرين. الغريب هو أني علمت صبيحة اليوم التالي بأني كنت جالسا قرابة بيت سام حين عثر علي دون وعي مني أو قصد. فهل كان هذا جانباً مني يرغب في النجاة دون وعيي التام به؟ وكيف لهذا الجانب أن يطرق باب الشخص الذي استطاع أن ينقذني من هذا كله؟ لِم قصدته دون غيره من الأهل والأصدقاء؟ هل جلس هو ذات يوم على قارعة طريق كما فعلت؟ هل انتظر ليلة بعد أخرى أن يظهر له من ينقذه فلم ترمي له الطرق إلا بمن يصحبه لحانة أخرى حيث يغرق في إدمانه؟ يقينا لا أدري، وأظن أن الخطوة الثالثة هي حيث أؤمن بأنه ما كان لأحد سوى سام بالظهور في تلك الليلة وفي ذلك المكان لكني لا أستطيع تصديق ذلك تماماً. مضت بضع خطوات لنا دون أن نتحدث فاتبع: أتدري؟ أنا أعلم أن زوجتي بيث قد تذمرت لظهور سام البارحة، وكذا يفعل والدي حين يراني أمضي وقتاً معه عوضاً أن أمضيه في المذاكرة، هم يكبرون فيّ المحاولة مرةً تلو الأخرى دون كلل أو ملل. أي جدوى هي حين ترى بطلك يغرف من السموم حتى يغرق مرة تلو الأخرى دون أن تستطيع أن تنتشله من بينها وحين غرقت أنت جاز بك لشاطئ الأمان من أول محاولة؟ في كل مرة أنظر فيها إليه أبحث عن أخي الذي رأيته في تلك الليلة، ولا أدري إن سألقاه مرةً أخرى. ليتهم التقوا به، إذا لضحوا بكل شيء ليلقوه مرةً أخرى. شخص يضج بالحياة، يفهمك ولا يحكم عليك يبتسم ولا يخجل من أن يتفوه فجأة ثم يراجع ما يقول، بخلاف هذا الحطام البشري الذي رأيته بالأمس. أنا قديس في أعينهم بالرغم من فشلي كل ليلة، وسام شيطان في أعينهم بالرغم من نجاحه في تلك الليلة الوحيدة. ولا زال يؤرقني سؤال طرحه على في تلك الليلة” “ما هو؟” سألته وأنا لا أكاد أتصور حجم معاناته وهو يحاول عبثاً أن يصف معالمها. سألني حينها: هل ستغرق معي؟ أم تكتفي بمشاهدتي أغرق؟ وبالرغم من محاولتي لأقناعه بأنني سأنقذه ذات يوم لكنه ظل يسأل نفس السؤال في كل مرة. “هل ستغرق معي؟ أم تكتفي بالمشاهدة؟” وقف ونظر إلي قائلاً: “والآن يا صديقي شكراً لاستماعك، لكن علي البحث عن سام في شارع الحانات هناك فأنا لا أريده أن يقع في المزيد من المشاكل” “على الرحب والسعة!” صافحته ومضيت وشأني. واليوم وبعد سنوات طوال، لا أزال بين الفينة والأخرى أتساءل عما حل بهما؟ هل اكتفى براندون بالمشاهدة؟ أم غرق معه؟

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات