أشدهو ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله!

img-1

مقدمة: سأل النبي -صلى الله عليه وسلم – جارية جاء بها سيدها ليعتقها فقال لها الرسول : أين الله ؟ فقالت: في السماء، قال من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة (رواه مسلم) ======= ( “لا. أكيد ثمة خطأ ما..” هكذا كانت ردة فعلي لأم مشعل وهي تعلمني بأن ابنتنا منيرة ذات الثلاث سنين ونصف ستمتحن الأسبوع المقبل. ناولتني قصاصة مطبوعة وإذ بها ما يلي: جدول امتحانات مرحلة الحضانة: الأحد: رياضيات (العد من 1-15) الأثنين: لغة إنجليزية A-C (تحريري وشفوي) الثلاثاء: علوم (الحواس الخمس) الأربعاء: لغة عربية حروف أبجدية من أ – خ (تحريري وشفوي) الخميس: دراسة إسلامية (سورتي الفاتحة والناس – اسم الرسول عليه الصلاة والسلام و اسم والده ووالدته ومرضعته) فغرت فاي، نظرت إلى أمها وأنا أقول: لكنها ابنة ثلاث ونصف فلم هذا كله؟ أليس هذا مبالغاً فيه بعض الشيء؟ وفي اليوم التالي، اصطحبت منيرة صباحاً إلى المدرسة وأثناء الطريق المزدحم حيث تلجأ هي إلى مشاهدة الرسوم الكرتونية، وألوذ بسماع الكتب الصوتية قررت أن أعلمها الشهادة! جلبت انتباهها في المنظرة فنزعت السماعات عن أذنيها، ثم قلت: منيرة قولي معاي… منيرة: معاي أنا: لا، لحظة! منيرة: لا لحظة.. “تباً! البرمجة في عقلها الصغير تحتاج لتحديث!” رحت أحدث نفسي. سعلت لأفصل بين حديثي وتقليدها إياي، ابتسمت وأنا انظر إلى صورتها في المرآة وقد فتحت فمها استعدادا لتقليدي.. فقلت: أشهد ألا إله إلا الله كررت في حماس ما تسمعه، وقد غلب الخطأ على الصواب، وتصادمت الحروف عند مخارجها، فاختلطت الكلمات، وضاعت المعاني! وجعلت استغفر الله من أن تنزل بنا صاعقة. وبعد ربع ساعة (وربع ساعة في شوارعنا تقدر بمسير مترين ونصف في زحمة الصباح) أخذت أعيد الشهادة بقصد ضبط الحروف وصياغتها أشهدُ (قلت هذا في نبرة مسلسل تاريخي ذو ميزانية محدودة) منيرة: أشدهو أنا: أشهدُ منيرة: أشدهو أ..ش..ه..د (قطعت الكلمة واعترف لاحت مني حدة لخوفي من أن تتعثر عن ركب أقرانها، وحرصي على أن تتفوق في دراستها) ارتعشت شفتاها واغرورقت عيناها بالدموع ثم أخذت تجهش بالبكاء وتقول: ما ابي سكول، ما ابي سكول أبي ماما.. هنا رجعت لنفسي، ما الذي دهاني؟ وهل يستحق هذ كله دموع صغيرتي؟ هدأت من روعها، وداعبتها، وما زلت بها حتى عادت لتضحك وتسأل عن كل شيء وأي شيء. وأثناء حديثي معها فكرت، ما الذي أريده منها في هذه المرحلة؟ – أن تتأقلم وفكرة الابتعاد عني وعن والدتها لبضع ساعات يومياً – أن تدرك أن هناك واجب عليها أن تقوم به قبل أن تخلد لنومها – أن تتعرف على حروف الأبجدية العربية والإنجليزية وبعض من الأرقام وقد قامت بهذا كله، فلم هذا الافراط في الحرص من جانبي؟ ولم الامتحان أصلا؟ ولأفرض أنها نطقت الشهادة كأحسن ما سمعت من مخارج للحروف؛ هل أدركت فكرة الخالق في هذا السن؟ وهل تعقل فكرة الرسل وقد غابت هذه الفكرة عن الكثير ممن هو أكبر سنا من ابنتي سواء في عهد النبوة أو في زمننا هذا؟ تذكرت حديث الجارية حين سألها ﷺ أين الله؟ فأشارت إلى الأعلى- بأبي وأمي هو- كان بسيطا في تلقين الإيمان فما بالنا نلقن الشهادة لهؤلاء الصغار بل نمتحن حفظهم لا ادراكهم؟ وصلنا بعد عناء الزحام ولم أفارق المدرسة إلا وقد طبعت قبلة على خدي كما اعتادت قبل أن تدخل الصف. وفي مساء ذلك اليوم جلست بجانبها ودار هذا الحوار بيننا: منيرة قولي “أشهد ألا إله إلا الله..” أش..وأخذت تفكر وأكملت: دهو ألا إله إلا الله.. نظرت إلي وانتظرت، بدت قلقة.. تَبَسمْت في وجهها سألتها: تدرين من الله؟ هزت رأسها بالنفي. قلت: شفتي المطر؟ الله ينزله. والقطط والأشجار وبابا وماما، الله سوانا. ومشعل؟ ضحكت ومشعل أيضا! (يمثل أخوها الصغير مشعل فرضية لكل نظرية، وشرط لكل قانون فإن احتاجت للدواء سألت إن كان مشعل يحتاجه؟ وإن طلبنا منها أن تذهب للنوم أصرت أن يذهب مشعل للنوم أيضاًّ) سألتها: تدرين وين الله؟ نظرت إلي مستغربة، وينه؟ فأشرت إلى فوق.. فأدركتها دهشة ذهبت إلى النافذة، فوق الstar؟* قلت نعم! وتدرين من محمد ﷺ؟ من؟ رجل يحبنا، علمنا شلون نسوي الله أكبر -أي الصلاة-وبعدين قال لنا: أن الله فوق يحبنا. الله يحبج ماما؟ يحبها، وأعطاها منمن. ضحكت وضحكت معها. الله يحبج منمن؟ أكيد لأن منمن شاطرة وتصلي وتسوي الله أكبر. الله يحبج بابا؟ وقع علي السؤال كالصاعقة، وانعقد لساني..أدركتني الرقة؛ عَل السبب هو براءة الأطفال واختلاطها بالفطرة. أليس هذا أجل ما نصبو إليه؟ أن يحبنا الله؟ ثم أليس من السهل أن نصف علاقة العبد بربه، ونقول طمعاً في رحمة الله أنه أراد الخير لفلان من الناس إذ ابتلاه؟ لكن، حين يتعلق السؤال بك وأنت اعلم بما أذنبت في حياتك تكون الإجابة أصعب نوعاً ما، وإن احسنت الظن بمولاك. ثم انتبهت إذ قالت: أشهد ألا إله إلا الله… لكم تمنيت أن أشغل آهات إسلامية أو أناشيد أحمد بو خاطر، وأركض نحوها بالحركة البطيئة وأعانقها قائلا: أهلا بك في الإسلام! تهلل وجهي صرخت أنادي على أمها: منيرة أسلمت! تكبير… الله أكبر.. الله أكبر. ختاماً: للأسف بدأت أدرك مأساة التعليم في الشرق الأوسط، إذ يخلط أصحاب قطاع التعليم بين تطور المناهج وتكثيفها! امتحان الأطفال في الروضة وتكديس كتبهم بمعلومات في مراحل أخرى لا يعد تطويراً بل تعقيداً. ولك أن تتخيل مدى اتساع الفوهة بين ما يدركون وما يلَقَنون عاماً بعد عام. ولا يعني تطوير المناهج العناية باللفظ دون المعنى، والمعنى دون الادراك. أي شيء نرجوه من جيل يحفظ ولا يعقل؟ جيل يتم تلقينه دون أن يعي ما يقول، ما الذي نريده من مسلمين يحفظون ولا يعون؟ ويعملون دون أن يوقنون؟ لكم تمنيت لو عرجت هذه المدرسة ببساطة على فكرة الخالق من خلال الأخلاق، وأن يتعرفوا على محمد -عليه الصلاة والسلام-من خلقه عوضاً عن حفظهم معلومات عامة كمعرفة اسم مرضعته -صلى الله عليه وسلم-دون أن يعرفوا ما هي الرضاعة أصلاً!

 

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات