عالم الفيلة

من نحن

ليس القصد من هذه التدوينة بحث أوضاع الحيوانات – أجلكم الله – في حدائق الحيوان، وإن كان مصير القرد الخليجي غامضاً بالنسبة لي، أعني القرد الوافد المتواجد في الخليج في حدائق…لا، لحظة! القرد الكائن في حديقة (أتصور أنك فهمت وأنا غير مطالب بالتوضيح أكثر من هذا) وليس هذا بحثاً مصيره الانتشار عبر الواتس آب للتحدث عن معجزة توضؤ فيلة في اليوم خمس مرات! أريد التحدث إليكم عن مصطلح إنجليزي وهو مصطلح elephant in the room ومعناه الحرفي هو: الفيل المتواجد في الغرفة وهو تشبيه للحقائق الواضحة الجلية التي يتم تجاهلها، أو عدم التطرق إليها أو معالجتها وقد تبلغ من مدى وضوحها حجم الفيل. تواجد هذه الأفيال ليس حكراً على منطقتنا فقط، لكن كثرتها وتعدد أحجامها هي ما أود أن ألفت عنايتكم له. فقد كثرت هذه الفيلة وتنوعت أحجامها حتى أصبحت تحول بين المرء وزوجه، والموظف وإدارته، وباتت تقف أحياناً بين المواطن وحكومته! بمعنى أن هذا الفيل قد يكون أمر شخصي بينك وبين أقرب الناس لك. كلاكما على علم به، لكن تؤثران عدم الحديث عن هذا الموضوع خشية أن ينتهي الحوار بما لا تحمد عقباه، لكن السخرية هو أن السكوت الذي تؤثرانه والعمى عن شيء بحجم الفيل سيؤدي حتما لمثل هذه النتيجة –ما لا يحمد عقباه-وكذلك علاقات العمل ومثلها أيضا أمور نتحاشاها كمجتمع بأسره إما دون وعي، أو بوعي وسبق إصرار وترصد! البعض يسوءه التحدث عن هذه الفيلة وعمن جاء بها أو سبب تواجدها، وعمن تجاهلها، بل أكثر من ذلك قد يتهمك هؤلاء بالهذيان والجنون لأنهم لا يرون الفيل الذي تتحدث عنه! وهم حتى وإن اعترفوا بوجود هذه المخلوقات فعلهم يرمونك بتضخيمها وإعطائها أكبر من حجمها، وإعارتها من الاهتمام مالا تستحق، أو أسوء من هذا كله أنك أنت من جلبتها في غفلة منهم وعليه أنت مطالب بإزالتها دون أي عون أو مساعدة. هذه الأفيال لا تختفي مع مرور الوقت، هي ليست رائحة كريهة تزول مع مرور الوقت بل على العكس تكبر وتتغذى على مخاوفنا وتقتات على المساحة التي نتلافاها في حوارنا وفي أفكارنا مع بعضنا البعض، وتكبر فلا يكاد يسعها ما أعطيتها من مساحة فيما مضى وسيأتي يوم تفرض فيه نفسها وتقحم ذاتها حتى تحجبنا عن بعضنا البعض، فلا نستطيع رؤية بعضنا البعض ونكتفي بالسمع، ثم قد يبلغ صخب هذه الفيلة أن نكتفي بتأويل النوايا لأننا لا نستطيع سماع أصوات من يخاطبنا وهي تختلط بأصوات هذه الفيلة. فأي شيء ننتظر ونحن نحملق فيها لمجرد تلافيها، بل أعجب من هذا كله أن يصبح من يجيد تلافيها فيمر من بينها، ولا يأتي على ذكرها أديب أريب، فطن وذو رأي سديد! ومن رأى الفيل، أو قرأ عن خصائصه وطبيعته علم أنه وديع في مجمل حاله، سهل القياد، لين العريكة لكنه ما أن يذعر أو يخشى خطراً داهما حتى يحطم برجله كل ما يعترض طريقه ويهشم، ويهوي بخرطومه فيحطّم، ويغرس نابيه وينهم، على أن زوالها، أو لنقل صرفها أمر يسير هين، فهي تنصرف بمجرد الاعتراف بها، والحديث عنها بغية إيجاد خرج لها لا بقصد تهيجها وإثارتها حتى تضطرب العلاقات، وتنتشر الفوضى فيما بيننا البين. ولا أدري ما الذي يثنينا عن التحدث عنها؟ هل ننتظر أن تسأم فتمضي وشأنها؟ وحتى لا أوصم بأني أنهى عن خلق وآت بمثله، دعني أقولها بصراحة: نحن ننتظر أن يشير أحد غيرنا ببنانه إليها، نعم! نحن لا نرفع أيدينا بالدعاء بأن يرسل الله طير أبابيل، ولا أن تُرمى هذه الفيلة بحجارة من سجيل فنحن متيقنون بأننا نحن من جلبناها ونخشى أن ندعو بالويل والثبور على أنفسنا متى ما سألنا الله أن يزيلها ويزيل أسبابها! نخشى أن يقال: انظر هذا الذي يرى فيلة في عقله الواهن وخياله المريض، لكن العلاقات لا تستمر، ولا المؤسسات تتطور، ولا المجتمعات تتغير إلى الأحسن إلى بوجود هؤلاء الذين يملكون البصيرة والشجاعة لأن يقاطعوا حديث كل يوم، فيسألون: ماذا عن هذا الفيل في الغرفة؟ فأين هؤلاء كي يعلمونا أين يقبع الفيل في أرجاء بيوتنا، وأحيائنا وأوطاننا؟

 

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات