تجمعات خليجية ومجتمعات بشرية

من نحن

ليست هذه نظرية أو فرضية، هذه ملاحظات لفرد عاش بين ظهراني هذه التجمعات البشرية في منطقة الخليج العربي، تجنب في سردها إسقاط نظريات علم الاجتماع على الواقع، فليس هناك اسوء ممن يريد اسقاط الواقع على ما قرأ فيلوي أعناق الأحداث فقط ليحتوي مجتمعاً بأسره أو حدثا بعينه في مصطلح راق له! وعليه ليست هذه محاولة لإعادة تفسير ما قال القصيمي ذات يوم “العرب ظاهرة صوتية” وما أضاف د. غازي القصيبي لعبارته ” غير موزونة وغير مقفاة”” أو تعليل ما ينافح عنه فرانسيس فوكوياما من أن القبيلة تقف عائقاً في وجه سيادة الدولة أو ما ذكر د. علي الوردي من أن جل ما نعاني منه اجتماعيا يعود للصراع النفسي الذي يوجد بكل فرد ينتمي لهذه المنطقة بين الطبيعية البدوية أو الحضرية من جهة، وبين ما يريد الدين منه من جهة أخرى. ما لن تقرأه في هذه التدوينة هو تعليل الأسباب التي أودت بمنطقة الخليج العربي لأن تكون مركزاً لتجمعات بشرية لا مهداً لمجتمعات إنسانية، إذ يذهب الكثير بأنها قد تكون واحدا من هذه الأسباب أو خليطاً منها: الطقس وحالة المناخ الموقع الجغرافي الدين التركيبة الاجتماعية ثقافة الشعوب الدخل المادي النظام السياسي الجهل كل ما ستقرأه هنا مجرد ملاحظات، وعليك دائما أن تتذكر X الموجود في الركن الأيمن بأعلى الشاشة، في حال لم يعجبك ما تقرأ أرجوك، وأبارك لك، وأشد على يدك، واضغط معاك X يستحب أن تضغط وأنت تستمع لأغنية (قوم اوقف وانتا بتكلمني -بهاء سلطان) ولأضرب مثلاً من واقع تجربتي، إذ قضيت بضع سنين في الولايات المتحدة الأمريكية خلال فترة دراستي الجامعية في ولايتين وفي أكثر من مدينة، وبالرغم من اختلاف الطابع العام لكل مجتمع صغير في تلكم المدن، واختلاف في العادات والتقاليد في كل من ولايتي تكساس، ولويزيانا إلا أن المجتمع كان يتعاون مع بعضه البعض في إضافة أمر ما لما هو أمريكي وماهي أمريكا عليه اليوم، وذلك ينطبق على بقية الولايات التي تتحد جميعاً في هذا الأمر وذلك هو اهتمامهم وتقديرهم لعينات مختلفة من أفراد مجتمعهم لا ارتباط لهؤلاء الأفراد في كثير من الأحيان بالمادة أو العائد المالي. مثلاً في المجتمع الأمريكي تستطيع أن تكون مؤثراً بحجم مهول خاصة اليوم وفي عهد مواقع التواصل الاجتماعي، بغض النظر عن ثروتك. بل أن في كثير من الأحيان يكون أثر ذوي الدخل المحدود أشد وقعاً في المجتمع الأمريكي ممن تكدست أموالهم. وهم – أي هؤلاء باختلاف مشاربهم ومناهلهم وتأثيرهم في محيط المجتمع الأمريكي يضيفون شيئاً مميزاً للهوية الأمريكية، لا يعني ذلك موافقتي التامة لما يضاف كما سنبين في تدوينات لاحقة، بقدر ما أصبو لتسجيل الملاحظة، وفيما يلي سرد بقصد الذكر لا الحصر لبعض الشخصيات: – مارتن لوثر كنغ رجل دين عرف بمناهضته لممارسات حكومة أمريكا العنصرية ضد الأمريكيين من ذوي الأصول الأفريقية. – أرنولد شوارزنيجر (بطل كمال أجسام، وممثل وأخيرا كان حاكماً لولاية كاليفورنيا) – مارغريت ماتشيل كاتبة رواية ذهب مع الريح – بيل غيتس (مطور كمبيوتر) – محمد علي كلاي (ملاكم) – روبرت أوبينهايمر (مطور القنبلة النووية ومناهض لسياسة ترومان في سباق التسلح) – توماس إيديسون (مخترع) – مارك توين (كاتب) الفرد الأمريكي العادي هو من أعطى هؤلاء الأفراد قيمة فأضافوا للهوية الأمريكية، والتي بُني حولها مجتمع أمريكي قد نختلف حول العديد من قراراته، وقناعاته لكننا لا نختلف في اسهاماته وإضافاته للإنسانية وكونه مجتمع له خصائصه وهوية محددة استطاع عبر قنوات معينة (الديموقراطية والرأسمالية) أن ينشرها حول العالم بأسره. هنا نسرد عبارة قد يصدم البعض منها: يصعب تصور العالم اليوم بدون الولايات المتحدة الأمريكية. علك ستذكر دعمها لإسرائيل، والحروب والمصائب التي تكبدها الوطن العربي وكذا الإسلامي، بل والعالم بأسره جرآء سياسة أمريكا، اتفق معك. بل أنا من مناهضي عالم غير متعدد الأقطاب. لكن قبل أن تنكر علي هذه العبارة تذكر كل ما هو أمريكي في حياتك، وأضف لذلك كل ما نحن عليه اليوم كالانترنت والحاسب الآلي والهاتف الذكي، وصولا إلى النفط واستخراجه من آباره، والإنارة الكهربية ودعنا لا نتشعب فنذكر ما هو غير مادي، فتضيع بنا الطرق وتضل بنا السبل. ولنعد لما بدأنا الحديث عنه، هذا التقدير للعلماء، والكتاب، والساسة، وكثير من أهل الفن والإعلام الذي يصيّره الفرد الأمريكي العادي إلى تأثير في أمريكا سواء عبر مؤسساتها أو سياساتها هو ما يميز المجتمع الأمريكي عن التجمعات البشرية. هذا التقدير مرتبط في اسهام الفرد لا بثروته، فيما يدعو إليه لا فيما هو عليه، في إنجازاته لا في أوهامه هو ما يضمن لهذا المجتمع ديمومته وهو ما يمسك بأجزاء المجتمع المتناثرة والمتنافرة فيكون الغراء الذي يلصق أجزاءها، والنسيج الذي يجمعها والعقد الذي يجمع قطعها. فهل كل ما يضاف إلى هذه الهوية الأمريكية وأمريكا كدولة من قبل هؤلاء الأفراد إيجابي حتميا؟ وهل يعني هذا خلو المجتمع الأمريكي من الظواهر السلبية والأمراض الاجتماعية؟ هنا أنت سترميني بالانتماء للحركة الشقيرية الخواطرية، التي ترى في الغرب كل ما هو مثالي وحالم، لكن هذا تقسيم لا يستقيم فكما أن أمريكا حون من ذكرنا فهي حوت القتلة والمجرمين، والساسة المفسدين، والإرهابيين وفيما يلي سرد لبعضهم: – تيد بندي (سفاح عشرات النساء) – تيموثي مك فاي (إرهابي تسبب في تفجيرا أوكلوهما 1995) – جونثان بولارد (مواطن أمريكي تجسس لحساب إسرائيل –أعطي الجنسية الإسرائيلية مؤخرا) – هيري ترومان (رئيس أمريكي تسبب في إلقاء القنبلتين النوويتين على كل من هيروشيما وناغاساكي وأشعل سباق التسلح النووي وتسبب في الحرب الباردة) – لانس آرمسترونغ (بطل عالمي للدراجات الهوائية) جوزيف ماكارثي (نائب جمهوري بالكونجريس قام بترأس لجان تحقيق للبحث عن شيوعين وأثار الذعر في جميع الأوساط الأمريكية بسبب إرهابه الثقافي) وغيرهم كثير، أضافوا للهوية الأمريكية وأثروا سلبا على العديد ممن مشى على خطاهم وحذا حذوهم، فما الذي حل بهؤلاء؟ أعدم كل من بندي ومك فيه، سجن جونثان، وخرج ترومان بنسبة أقل شعبية لرئيس أمريكي على الإطلاق -45٪ بحسب معهد غالوب لاستطلاعات الرأي – وماذا عن آرمستروتغ؟ تم اكتشاف تعاطيه للمنشطات من قبل الوكالة الأمريكية لمكافحة المنشطات وخسر في يوم واحد قرابة 75 مليون دولار أمريكي من دعم الشراكات، في العام 2013. أما بالنسبة لماكارثي فإن قصة سقوطه السياسي، بالتعاون مع الإعلام والسياسيين كافة وتعنيف الكونجريس له رسميا تعد من القصص الملهمة وأصبح مصطلح “المكارثية” نسبة له، مصطلح متعرف عليه لمن يزايد على قيم متعارف عليها ويتهم مخالفيه إما بالتقصير أو الخيانة. هل كل الأمثلة السيئة لاقت عقوبتها؟ يؤسفني أن أقول، لا! فهناك الكثير ممن نجى بفعلته، لكن ما يهمني هو قدرة الفرد العادي علي الاسهام في إصلاح ما أفسد هؤلاء عبر هذه المؤسسات التي تترجم قناعاته وإيمانه بهويته. الهوية في المجتمعات الغربية، شيء يتطور ويتفاعل مع الحاضر، ولا يبقى رهن الماضي أو فهم محدد لا يتجدد كما هو حاصل في التجمعات الخليجية. بريطانيا تنشر أذاناً في قنواتها يتماشى مع هويتها، وألمانيا تصرح أن عليها أن تضم الإسلام لهويتها وفرنسا تنازع الحجاب لكنها تعلم في قرارة نفسها أن عليها التعامل مع الحجاب شاءت أم أبت، هذا ما يتم طرحه بكل شفافية وعلانية وتقبل للآراء الأخرى واتساع للمجال دون اتهام وطعن أو تخوين أو انتقاص في الذمم. فهل هذا ما يحدث في منطقة الخليج العربي؟ في التدوينة القادمة: امسكوا ولد عمكم غاندي..

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات