التفاح الصالح والتفاحة الفاسدة

img-1

قد تكون من الخليج العربي، أو مصر، السودان، المغرب العربي، أو بلاد الشام. قد تختلف مناهجنا التعليمية، وطوائفنا الدينية، ومقدراتنا المالية، وقدراتنا الذهنية لكنك إن كنت من بني جيلي فإن مثال التفاحة الفاسدة التي أفسدت بقية التفاح في الصندوق قد تم تلقينه لك وتحفيظه إياك.ومن ثم تم امتحانك فيه، وإليك بعض من الأسئلة التي قد مرت بك لامتحان مدى فهمك للدرس: – من الذي أفسد التفاح في الصندوق؟ الإجابة النموذجية: التفاحة الفاسدة. – ما الذي انتقل من التفاحة الفاسدة لبقية التفاح في الصندوق؟ الإجابة النموذجية: العفن. – كم استغرق فساد التفاح في الصندوق؟ الإجابة النموذجية: بضعة أيام وفي رواية يومين. النتيجة 6/6 التقدير: ممتاز وفي حين كان أبناء جيلنا في الغرب يتعلمون عن تفاحة نيوتن، ويشاهدون الأميرة النائمة تنجو من التفاحة المسمومة وكان ذو الحظ منهم يشاهد حاسوبا عليه علامة تفاحة.. بقي هذا الصندوق والتفاح الفاسد راسخا في أذهاننا. تفاحة واحدة بفسادها استطاعت أن تفسد صندوقاً بأسره في بضعة أيام (وفي رواية يومين فقط) كما تقتضي الإجابة النموذجية. دعني أعيد المثال عليك مرة أخرى بصياغة أخرى مختزلة ومختصرة: تفاحة فاسدة في صندوق تفسد بقية التفاح في بضع أيام (وفي رواية في يومين فقط) انتهى المثل الذي يسرد نهاية حتمية، وطريق واحد ونهاية مفجعة واقعية، وهي انتصار العفن بغض النظر عن كم ونوع الصلاح. الفساد أقوى والعفن لا يستطيع أن يمنعه أي من التفاح الصالح. هكذا يستطيع أحدهم أن يفسر هذا المثل ولن يكون حينها بعيدا عما يحمله المثل من عبر ودروس! وفي حين أن هناك عشرات الأسئلة التي كان نظام التعليم يستطيع طرحها على جيلنا ليوقظ فينا معاني تحتاجها مجتمعاتنا، تم حشرنا في الصندوق وسؤالنا عن مدى سرعة الفساد. ما الذي كان نظام التعليم يتصوره من التفاح الصالح؟ أن يناصح التفاحة الفاسدة، ويحذر بقية التفاح من هذا العفن القادم؟ أن يناصح ولاة الشجر فينذر من حراك داخل الصندوق؟ وعفن يلتهم الجميع إلا أن يتم تحسين أوضاع التفاح؟أن يترك التفاح الصالح الصندوق بأسره ويهج تاركا الصندوق والمزرعة للتفاحة الفاسدة لينجو بصلاحه؟ أن يؤخذ بيد التفاحة الفاسدة فإما تتوب عن فسادها أو تترك الصندوق وتفاحه الصالح؟ الحقيقة أن التفاح الصالح كان متجانسا بأسره، أحسبه كان أخضرا؟ في حين أن الحياة تحتوي على أنواع أكثر من التفاح بنكهات وأحجام شتى (حقيقة علمية: هناك حوالي 7500 نوع من التفاح عالميا) إلا أن المثال البائس يقسم التفاح لنوعين صالح وفاسد. وهل بحث أحدهم في سبب فساد هذه التفاحة؟ يبدو الأمر غريبا، أعني لم أصابها العفن بالذات؟ هل جيء بها من صندوق آخر؟ من شجرة أخرى؟ من مزرعة أخرى؟ يخيل لي أنها انتظرت أكثر مما يفترض بها فالتفاح في مسير دائم من الشجرة إلى الصندوق، فعربة الشحن، فمحل الفواكه، فالسفرة حتى يُقطع أو يُقضم، أما ما يفسد منه فهو ما ظل ثابتا في مكانه دون حراك. ثم أن هناك أمر لم يتطرق له المثل لا من قريب ولا من بعيد! وهو أن هذا التفاح الصالح مغلوب على أمره، وكذا التفاحة الفاسدة! أليس من الأولى السؤال عن هوية من وضع التفاحة الفاسدة في الصندوق؟ لنفرض أنه المزارع، أفلا يكون المثل حينها أكمل على هذا النحو: ففسد الصندوق بأسره جرآء إهمال المزارع الذي ندم على تقصيره وما فرط فيه. بل أن الله جل وعلى لما ضرب أمثلة للزرع والمزارعين قال: “أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ” وذكر في موضع آخر: “وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا (43) هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ۚ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا” وذكر خبر أصحاب الجنة فأعلمنا بما انتهى حالهم: فَأَصْبَحَتْ كَالصّرِيمِ * فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ * أَنِ اغْدُواْ عَلَىَ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ * فَانطَلَقُواْ وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَن لاّ يَدْخُلَنّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مّسْكِينٌ * وَغَدَوْاْ عَلَىَ حَرْدٍ قَادِرِينَ * فَلَمّا رَأَوْهَا قَالُوَاْ إِنّا لَضَآلّونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لّكُمْ لَوْلاَ تُسَبّحُونَ * قَالُواْ سُبْحَانَ رَبّنَآ إِنّا كُنّا ظَالِمِينَ * فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىَ بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ * قَالُواْ يَوَيْلَنَا إِنّا كُنّا طَاغِينَ * عَسَىَ رَبّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مّنْهَآ إِنّآ إِلَىَ رَبّنَا رَاغِبُونَ * كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الاَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ” لكن نعود للمثل، أين هذا المزارع؟ وعل بعض المتحذلقين منكم يبرئ ساحته، فيقول هذا بعض عماله، أو هي أيدي أجنبية تعبث بالصندوق وأمنه. يا قوم أليس الحصاد يهمه؟ فإن لم يشرف عليه بنفسه فيداك أوكتا وفوك نفخ! لكن هو الأحق بأن يلام وأن تشار له أصابع الاتهام، لا التفاحة الفاسدة أو التفاح الصالح! ثم إن المثل ينتهي نهاية عجيبة لا توضح لنا ما يحل بعدها بالصندوق والعفن الذي أصابه! هل يصير التفاح سماداً؟ أو يحرق رمادا؟أو يكون طعاما لبعض حيوانات المزرعة؟ وماذا عن الصندوق؟ هل يعاد تدويره بهدف الحفاظ على البيئة؟ أين المزارع؟ أنادم هو على ما حدث؟ هل هو من نشر المثل ليكون عبرة لغيره؟ ماذا عن بقية الصناديق؟ وبقية المزارع؟ هل سارع الفساد إليها؟ قرأت في إحدى الكتب التي أحرقت، وشنق أصحابها أن المزارع باع المزرعة واشترى عمارة وترك المزرعة والأشجار والصندوق والتفاح صالحه وطالحه. ولا زال السؤال يطرح: – كم استغرق فساد التفاح في الصندوق؟ ===

 

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp
  1. آمنة

    2014/08/10 - 10:32 م

    من أروع ما قرأت لك رائد، لله درك لا توقف

  2. Raed

    2014/08/15 - 01:45 ص

    شكرًا آمنة، أتمنى أن أواصل وأن أكون عند حسن ظنكم بي كقرآء للمدونة

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات