الخليج العربي، وسؤال البقاء

من نحن

قبل البدء: لا شأن لي بالسياسة، لكن مؤخرا صرت أحد شؤونها! كل أمة عليها الإجابة ذات يوم على سؤال تحتمه الظروف والمعطيات التي تحيط بها، وبالأزمنة التي تغلفها فإما الإجابة، أو الاستجابة لعدم الجواب عليه. خذ على سبيل المثال الولايات المتحدة الأمريكية، فهي أسيرة سؤال طُرح وهو: هل تظل أمريكا دوما في القمة؟ وأبداً في الطليعة؟ روسيا تسأل هل آن الأوان لتعاود المنافسة على المركز الأول؟ والصين مترددة هل تتوسع أم تبقي على المارد حبيس القمقم والأمة خلف السور العظيم؟ أما الاتحاد الأوروبي الذي يبدو كالعجوز التي فقدت عقلها وصارت تسأل من هي؟ وما اسمها؟ وماهي هويتها؟ وبالنظر لمنطقة الخليج العربي، فإن هناك سؤالاً واحداً ينتظر الإجابة عليه. سؤال غليظ، ثقيل، يتشكل في عدة نواحي من حياتنا، وأنشطتنا، على مستوى الأفراد والجماعات، على مستوى الشعوب والحكومات، يقرع كالجرس، إما بشيراً أو نذيراً. سؤال لا املك إجابة له، لكن عدم معرفتي من الإجابة لا يمنع وجوده، وهو: هل نحن أمة باقية؟ لا أعني وجودنا كمسلمين فقد أوكل الله حفظ هذا الدين. ولا أعني زوالنا كبشر، فنحن كنا وسنبقى مربوطين بهذه الأرض. أعني أن نبقى دولا ومنظومات سياسية خليجية كما نحن عليه اليوم، في ظل التطورات الأخيرة التي طرأت من سحب السفراء من دولة قطر؟ هناك انشقاق، بلغ به أن يقوم الرئيس الأمريكي أوباما بإلغاء قمة مزمعة والسبب: خلاف جذري بين حلفاء واشنطن. قطر تؤكد أن الخلاف سببه قضايا خارج محيط الخليج العربي، في حين تصر كل من المملكة السعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين على أن الخلاف مبعثه تهديد قطر لأمن الخليج. في ظل إصرار قطر على تقديم أدلة بينة ورسمية واضحة وعدم تقديم تحليلات إخبارية، ومقالات تتكهن وتنجم دونما دليل رسمي واضح من الطرف الآخر. القصد من هذه التوطئة أن الأواصر التي لطالما تغنينا بها باتت اليوم واهية، والشعارات التي حملناها دائما أصبحت بالية، في وجود متغيرات من حولنا من ربيع عربي، وثورات باقية، وحروب أهلية، وتغير جذري في علاقة إيران مع الغرب، وتحدي روسي للهيمنة الأمريكية؟ تبدو السياسة اليوم فوضوية إن جاز التعبير على المستوى العالمي، وهي أقرب لمبدأ يعرف بمبدأ البجعة السوداء وتوقع اللامتوقع! يبقى السؤال: هل الأمة الخليجية باقية؟ هناك من سيقفز لنظرية المؤامرة، وأن هناك في ركن مهمل في زاوية ما حيث يتآمر صناع القرار العالميون في همس: كيف يستطيعون أن يفشلوا أي خطة من خطط مجلس التعاون، والسؤال: ما حاجة القوم للتآمر دون الأوامر؟ أتفهم تآمر الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الامريكية على روسيا، لكن أن يتآمر الغرب على الخليج العربي؟ ما حاجة الغرب للتآمر على العرب؟ لا أستطيع هضم ذلك من مبدأ بسط هيمنة القوي على الضعيف في ظل قانون غاب دولي حيث السياسة للأقوى كما برهن بوتن على هذا في الشأن الأوكراني بعساكره وبرهن الرئيس الأمريكي أوباما على عجز سياسته إزاء احتواء الأزمة الأوكرانية بتحذيراته الجوفاء. وهناك قسم آخر، يريد أن يلقي اللوم على العين اللي ما صلت على النبي – عليه الصلاة والسلام-ففرقت وشتتت، وأصبح من كان بالأمس أخاً قريباً يحمي الظهر ويسد الثغر، خاصرة طرية . هناك أيضاً من يقول أن عنصرا أجنبيا دخل بين أبناء الخليج العربي-اللي على قلب واحد-وقام بوسوسة الشك في قلوب البعض، لكن أليس الشك بذرة لا تثمر إلا في قلب خصب بالريبة؟ والحقيقة هي أن بقاءنا على هذا النحو نحن من يقرره ويستطيع من جعله حقيقة لا أماني أو تفاؤل رهين السذاجة، لا يهم الكيفية سواء كانت مجلسا، أو اتحادا أو كونفدرالية – حقيقة سم كل هذه الشلليه ما شئت-في ظل عجز الدول عن النهوض بمنظومات ناجحة محلياً، وعلى الصعيد الإقليمي أي فيما بينها البين. دعني أوضح: النجاح المحلي: يقول مؤلفا كتاب “لم تفشل الأمم؟” أن نجاح أمة ما مرتبط بمنظومتين: المنظومة الأولى: المنظومة السياسية والتي تتراوح ما بين (هيمنة مطلقة -أي حكم الفرد-ويقابلها منظومات سياسية تمثل الشعب بأطيافه وطبقاته المتعددة) المنظومة الثانية: منظومة اقتصادية تتفاوت ما بين (امتيازات خاصة بفئة دون أخرى تساهم في نشر الطبقية الاجتماعية -ونظيرها منظومات تعم فائدتها التنموية على الجميع ويصبح الثراء فيها رهناً بالجد والعمل وقيم أخرى يحددها المجتمع) وعليه فقد يوجد نظام شمولي، يتحصل معه ثراء نوعي لكنه من وجهة نظر المؤلفين لا يدوم أبدا، أو نظام ديموقراطي لكن مؤسساته الاقتصادية اختيارية، لكن حال هذه المنظومات في ظل ديموقراطي لا يدوم أيضا، إلا إذا استطاعت بسط هيمنتها على المنظومة الاقتصادية. والآن سل نفسك: هل نجحت كل دول الخليج في خلق هذه المنظومات بنوعيها؟ أم أن ما تم إنشاءه بناء لم يكتمل، و خطط لم يتم تنفيذها؟ أو علها أحلام وقد آن الوقت للاستيقاظ منها؟ النجاح الإقليمي: هناك فريقان عند هذا المقياس، فريق يرى أن مجلس التعاون الخليجي لم يحقق شيئاً يذكر (لا وجود لعملة موحدة، حرية التنقل بدون تعسير مرهون بمدى الود بين دولة وجارتها، الاتحاد الضريبي، والاتحاد الجمركي، المشاريع التنموية الأخرى كالربط الكهربائي) في حين يرى الفريق الآخر أن ملف الدفاع فقط (غزو العراق لدولة الكويت ورد المجلس، وأيضاً تدخل درع الجزيرة في أحداث مملكة البحرين في العام 2011) كفيل بنجاح المجلس، وقد يغفل هذا الفريق دون قصد أنه في العام 1991 تم صرف النظر عن مقترح سلطنة عمان بزيادة أعداد قوات درع الجزيرة لتصل إلى 100 ألف فرد إثر ضغوط سعودية. وفي العام 2005 أعلن سلطان بن عبد العزيز-غفر الله له-تفكيك قوات درع الجزيرة على أثر التوترات السعودية القطرية وإدراك مجلس التعاون أن القوات لم تكن بالمستوى المطلوب. وعل مقارنة مدى فاعلية المجلس بالاتحاد الأوربي هي مقارنة مجحفة إذ نظرنا إلى عمر الدول التي تؤسس الاتحاد الأوربي، وإذا علمنا أن ميلاد الاتحاد الأوربي لم يكن في العام 1993 كما هو شائع بل بدأ في العام 1957 (اتفاقية روما والتي ضمت ست دول آنذاك) نرجع الآن لك أنت: هل ترى أن مجلس التعاون قد نجح في النهوض بأهداف ترقى لتطلعاتك؟ لا وجود لإحصاء دقيق يعبر عن رأي الشعوب بشكل إحصائي سوى أهواء تصدح بالغناء (خليجنا واحد، وشعبنا واحد..) عند الإجابة على ما تم طرحه بواسطتك أنت الفرد، والجزء من الكل تستطيع تحديد كلا النجاحين نجاح الدول على حدة، ونجاح منظومة تضمها من جهة أخرى. لكن دعنا نعود للموضوع الذي أثار هذا كله، أعني لقضية سحب السفراء. ما الذي اتضح للشعوب بفعل أزمة السفراء؟ 1- المواقف الخارجية ليست واحدة. 2- لا وجود لفهم موحد لتنظيم الإخوان المسلمين في دول الخليج فهي ما بين حزب سياسي يكفل له القانون حرية العمل السياسي ضمن إطار ونهج كل دولة، وتنظيم إرهابي يعتقل المنتسبون إليه، والذين يومؤون بإشارة التصقت به (إشارة رابعة) 3- المواقف تجاه كل دولة تتسم بالتذبذب العالي ما بين الوقوف في صف، والوقوف في وجه بين ليلة وضحاها. 4- لا وجود لفهم سياسي، أو عله لا وجود لسياسة يستطيع المحللين السياسيين بناء تحليل موضوعي عليها لا يتسم بالتنجيم وضرب الأخماس بالأسداس بطريقة (لا أظن، لا اعتقد، أو لن نقوم أبداً أهو ده اللي مش ممكن أبدا..أبدا) وكأن لهم من الآمر من شيء؟ في حين أن كل ما يبنى عليه مجرد إشاعات عن تحركات، وأقاويل، وتعميم لسوالف مجالس. 5- دائرة القرار تكاد تصل لعدة مئات فقط من كل الأطراف في حين أن مستقبل شعوب جميع هذه الدول مرتبط بمزاجية هؤلاء البشر 6- هناك فئة من الشعوب في كل دول الخليج –وأقولها بكل تحفظ دون أن أقدر حجم هذه الفئة-لا تتفق وتعاطي حكوماتها مع أزمة السفراء وترى في السحب سابقة تنذر بعواقب وخيمة. 7- هناك توجس، وحالة احتقان شعبية بين شعوب المنطقة لتعلقها بمواقف حكوماتها. ما الذي ينشأ عن هذا الاحتقان؟ 1- تغييب الرأي العام عن قضايا مصيرية كالبطالة على مستوى الخليج العربي خاصة في شرائح الشباب. 2- تعطيل بعض مشاريع التنمية العامة كمشاريع الإسكان على الصعيد المحلي، والمشاريع التنموية الإقليمية كالربط الكهربي. 3- عدم اطمئنان أو ركون الدول لبعضها البعض الأمر الذي يلغي أي فرصة لعمل تنموي شامل ومتكامل على النطاق الإقليمي. 4- نمو مضطرد في ملفات التسليح وهو ما أكدته دراسة حديثة لمعهد ستوكهولم للسلام إذ كانت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من ضمن أكثر خمس دول في العام 2013 تسليحاً. 5- التهديد بقيام تحالفات مع دول أخرى من خارج مجلس التعاون الخليجي، في ظل عالم متعدد الأقطاب كروسيا، وأمريكا، وتركيا وإيران. (بمعنى أنا والغريب على ابن عمي، وأخوي ما أدري وينه بس مب احسن له يقرب من الغريب!) 7- إلهاء الصحافة في ترهات، وإقحامهم في عملية حرب عصابات.. عفواً حرب إعلامية تقوم على الكر والفر، وإلغاء الاحترام الذي عهدناه شعوباً وقادة، وهو باب اقتحمته الصحافة ولا اظنه ينسد حتى وإن انجلت الأزمة. بل أكاد أجزم أن المملكة العربية السعودية هي الوحيدة التي قامت بتصرف حازم تجاه الصحافة والحرب الإعلامية على المستوى الرسمي من خلال تعليمات بعدم التعرض بالإساءة للدول وقاداتها. خاتمة أتمنى أن تنفرج هذه الأزمة بأسلوب مغاير لحب الخشوم وخلاص كلنا اخوان وما صار إلا كل خير. لأن هذا الأسلوب قد يخمد النار لكنه لن يطفأها. هذه النار، أعني نار الفتنة، يصب عليها كتاب الجرائد حبرهم فتستعر، ويقوم بعض المشايخ ومن انتسب للدين في النفخ فيها ويرمي الساسة الأسباب كقطع حطب فتظل متوهجة، ويقع العامة فيها وقوع الفراش والجنادب في النار وهي تبغي النور ولا يوجد من يستطيع أن يمنعهم. النار أكبر من أن يطفأها رجل بعينه، أو دولة لوحدها. وهي إن استعرت ستأكل الأخضر واليابس، ولن تميز الصغير أو الكبير، أو الضعيف فترحمه دون القوي. فهل من رشيد يجيب بفعله: هل نحن أمة باقية؟ مواطن قطري خليجي.

 

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp
  1. سعد الهادي

    2014/11/18 - 12:19 ص

    أهلا أخي

    سلمتْ أناملك .. قرأت مقالك بتمعن .. ولفت انتباهي إطلاق حضرتكم لأوصاف شتى من قبيل ” الأمة ” و “البقاء” و”النشأة ” وغير ذلك من المصطلحات ..
    في رأيي هناك شيء من التفاؤل والمبالغة الاستعارية في تسمية “منطقة الخليج ” بالأمة ؛ فمكونات الأمة من الناحية الدٍّلالة لا أرى أنها تتوفر في “التجمعات الخليجية ” نحو الخليج العربي…
    اللهم إن كنتَ تقصد بالأمة هنا دِلالة الدولة التي لايشترط فيها سوى شعب وأرض ةوحكومة سياسية تبسط سيطرتها ..
    شخصيا لا أرى في التجمعات الخليجية أي صفة يمكن أن تصفهم بها بالأمة ؛ ماداموا ومنذ النشأة الحديثة لهذه التشكلات لم يمتلكوا قرارهم الفردي …
    إن البقاء – لأي مجموعة سكانية – ليس مسألة للنقاش فحتى التعاليم الدينية بما فيها الإسلام تحدد أعمار الأمم (ولكل أمةٍ أجل) تماما كما تحدد أعمار الأفراد ..
    وإذا كانت العلاقات الخليجية الخليجية قد شابها نوع من التنابز والتناكب فليس هذا سوى صورة مصغرة عن مايفلعه الأسياد في غرف النوم وما تطلقه أوامر (الروبوت كونترول) اتجاه المنطقة …
    ليس هناك أي قرار خليجي خليجي وما تشهده ياسيدي الفاضل من مشاكسة ليس سوى غمامة ليل تنكشف أخيرا وينكشف من وراءها وعند لن تجد نفسك في خليجِ القلق .. ستكتشف مدى إتقان السادة/العاملون لعملهم ومدى التزامهم بالأوامر..
    لكن في رأيي السؤال الأكبر ليس هل الخليج أمةٌ باقية بقدر ماهو هل الخليج “أمةٌ موجودة ” واقعيا ؟!
    في رأيي الخليج لايوجد إلا في السينما أو في في صور خرايط على جوجل إيرث في الواقع لاتوجد مجتمعات خليجية واعية ؛ كل ماهنالك مجموعات سكانية أغلبها مصاب بالتخدير الديني والسياسي التي تمارسه الأنظمة أما ما تبقى منها فليس منها ببعيد حيث تأخذه مخدرات الغربة ويتيه في ليل الخليج البهيم وإن بطريقة أخرى …

    أعتذر فقط قرأت مقالكم وأنا في طريق إلى هنالك .. فاترأيت أن نناقش الأمر ..

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات