أنت لها، وهي لك

أهلا بك، ومرحبا! انتظرتك مذ زمن. وانتظرتك الدنيا فأنت لها وهي لك. سلبت اسم أختك مني، فصار الناس يكنوني باسمك، وستحمل اسمي واسم والدي فهي مقايضة، فلا عليك. لم يأذن لي الله بالعمرة في رمضان من عام ولادتك إذ ولدت في العشر الأواخر وعند أذان العصر. فقلت لوالدتك متندرا: أنبئيه أن يؤديها عن والده إذا رحل، فقد جلست انتظره فأبطأ.

بني.. مشعل، سميتك هكذا لتنير دربك ودرب من حولك. نفع الله بك، وبلغني فيك.ولدت ووالدك في الرابع والثلاثين من عمره، غير قانع بما حقق، همه بأن يوفر لكم ما تحتاجونه وبعضا مما تريدونه. لك مني العلم، والأدب وحياة خير من حياة والدك، وبداية أقرب للنجاح مما كُنت عليه. حظ أختك منيرة مني الدلال، فهي تبعث الطفل بداخلي وأنت تبعث الشيخ الذي يلتمس عكازه فتكون له تلك العصا يعتمد عليها. أحملك اليوم بين يدي واهمس في أذنك، يا مشعل تذكر بأني حملتك حين عجزت عظامك عن حمل نفسك، فلا تنس والدك إن خانته عظامه. انظر إليك وامنع النفس والجمها من أن ترى امتدادا لعمري في صورتك، لأنك حياة قائمة بنفسها، لا علاقة لها بما قبل إلا بمقدار التمهيد. لن أفرض عليك دربا، وعليك باختيار طريقك بنفسك.

خالط الكتب وانهل منها كما ينهل الظمآن في جوف الصحراء، وانظر في الناس بقدر حاجة الصحراء للماء. واعلم أن الله غفور رحيم، وجواد كريم، قد عامل والدك بالفضل طيلة حياته ولو عامله بالعدل إذا لما التقاكما أنت وأختك. عليك بالكرم، واعلم أن الكريم يقاس بمن تفضل بكرمه، عليه فانتق من تكرم وتذكر قول المتنبي:

إذا أنتَ أكْرَمتَ الكَريمَ مَلَكْتَهُ وَإنْ أنْتَ أكْرَمتَ اللّئيمَ تَمَرّدَا

ولا تستيقظ من أحلامك، فهي لا تكلفك شيئا فلا تبخل على نفسك منها، وهي مقياس همتك وعلو نفسك. ولا تختلط القناعة عليك مع الدعة والكسل، فسعيك للاحسن اعتراف لمولاك بفضله، وحمد له على نعمة العقل. احلم والجم غضبك، فأني وأنا في منتصف الثلاثين من عمري لازلت أبحث عن الحكمة فأجدها بين الحلم تارة والعلم تارة أخرى. وتذكر بأن الدنيا لا تدوم على حال، ولا يملكها أحد فهي سراب.

الله الله.. في والدتك وأختك. هذا ما لا أغفره لك أبدا إن ضيعته، أو أسأت حفظه. وأعيذك بالله من أن تكون هكذا.
لن أطيل عليك، واسأل الله جل وعلى أن يمن علينا بالعيش سويا حتى يقر عيني بك وتفخر بما يفعل والدك إن شاء الله.

والدك،

رائد

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp
  1. layal7

    2013/08/28 - 10:36 ص

    يا مشعل تذكر بأني حملتك حين عجزت عظامك عن حمل نفسك، فلا تنس والدك إن خانته عظامه.

    :( رائعة، مؤلمه

    حفظه الله و((يبلغك فيه))

  2. abrar

    2013/10/28 - 02:01 ص

    طوبى لك بهما..
    وطوبى لهما بك ..

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات