ربعنا.

عند بلوغك عقدك الثالث في الوطن العربي فأنت بلا شك خضت نقاشاً سفسطائي الهيئة، عقيم النكهة، عديم اللون. بل أكاد أجزم أنك تشبعت به حتى سئمت مذاقه، لكنه في الخليج العربي يمتلك نكهة مغايرة إذ يحسم  بعبارة تفيد قلة الحيلة تستفتح بكلمة “ربعنا..”

وكلمة الربع هنا بمعنى: الصحب، وهي تقال تحبباً. 

الجميع يتحدث عن “الربع” لأننا دائماً نشير إليهم على أنهم عالمون بما يجري، واعون لما خفي علينا، نحن نثق بهم ولكن..من هم الربع؟ وهل نحن “ربع” في عينهم؟ أهم فئة، أم أناس بعينهم؟ هل يستطيع أحدنا أن ينضم إليهم؟ تخيل، لو أنك نهضت ذاك يوم فجاء كتاب مفاده: “بالمبارك يابوك.. لقد أصبحت واحد من الربع.” أليست طامة أيضاً لو أن في الأمر نوع من الطرد؟ كأن يقال لك: عفواً أنت الآن لست منا وعليه أنت منهم، أنت من “ربعنا”

يُقحم “الربع” في النقاش وكأنهم نقطة نهاية السطر! في حين أن “الربع” فاصلة، يأتي بعدها أمر ويسبقها ألف خبر. حدث ذات يوم أن تلفظ أحدهم بهذه الكلمة فقال “ربعك” والكاف هنا “كف على وجهي” وتظهر أنه لا يتفق مع الأمر لكنهم “ربعي” لا “ربعه” وبما أني وإياهم “ربع” فأنا أوافقهم الرأي. قلت بكل بديهية: عفواً ولكن من هم “ربعي؟”

تلعثم: نعم؟

أعدت وأنا أكرر كل حرف ببطء مفتعل وكأني آخذ أقواله، وأسحب اعترافاً منه: من هم “ربعي” وهل هم “ربعك” أيضاً؟ أم أنك تخاصمت وإياهم؟

أخذت عينه تدور ثم قال بعصبية: ششش..شفيك إنت؟

ثم هب آخر لنجدته فقال: شصالفة يا الظيب؟* “ما الذي دهاك أيها الذئب؟” 

أعدت بنفس البرود: تقولون “ربعك وربعك..” من هم ربعي؟ هل بيني وبينهم اتصالات ومحادثات؟ هل يجري بيني وبين “ربعي” ما يجري بين الإخوان من عتب ولوم في بعض الأحيان؟ هل استطيع التشاغل عنهم؟ هل استطيع أن أواجههم ببعض عيوبهم تماماً كما تفعل مع صحبك وإخوانك؟ ثم ألست أنت واحد من ربعهم أيضاً؟ 

“إيه.. المهم أخوي بنشرب شاي كرك..” قال المُسعف متهرباً. ثم أتبعها ب “حياك..؟” وهي في حقيقتها “إليك عنا..تباً لك أبا خشم”  مجرد ذكر الكرك كان كفيلاً بحل الوثاق الذي أوثقتهما به، فتركتهما وشأنهما.

وعدت إلى نفسي أفكر بالأمر ملياً.. هل نحن “ربع” ربعنا؟ بمعنى هل يجلس “ربعنا”بينهم البين ثم يضيقون ذرعاً بنا فيقولون ” ياخي شوف ربعك.. أو ربعنا..” هل  هناك أسباب تواصل بيننا وبينهم؟  وإن بدرت منا أسباب تجعلهم يتبرمون بالرفقة، فما هي يا ترى؟ رباه…! ماذا لو أن لهم ربعاً آخرين؟

الأمر بسيط والله بس “ربعنا” لو يفهمونا بس.. 

 ======

*قرأت هذه العبارة في أحد التغريدات الساخرة، وللأسف لم أعثر على صاحبها فأنسبها له..

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات