عصر الثقة.

قد تعبر الشارع مشياً  لمجرد رؤيتك ضوء في وسط عمود.وأثناء عبورك تمر بصف من العربات متفاوتة الأحجام ، أقلها قد يفتك بك إن أراد دعسك، لكنك مؤمن تماماً بأن السائق يرى نفس الضوء الذي تراه أنت، ويفهمه بأنه إذن لك بالمضي وأمر له بالوقوف. أنت لا تفكر مثلاً بأن أحدهم قد تصيبه لحظة جنون ويقرر أن يقضي عليك بدون سبب، لأنك مؤمن بالضوء وما يرمز له، واثق بمكابح السيارات، على أنها أوثق لجام يكبح هذه المحركات التي تستطيع أن تفتك بك. تماماً كما تركب طائرة ما لتقطع آلاف الأميال من السهول الواسعة، والصحاري الممتدة، والجبال الشاهقة، والبحار العميقة،  وفي ذهنك أنك تصل إلى حيث أردت! فالطيران تطور بحيث أصبح آمن وإن كان في حقيقته صفيح معلق بين السماء والأرض، لكنك تثق به.

في حين أن ما نرى ونسمع من خلال الأخبار جعل من سوء الظن بالبشر أمراً متقبلاً بل ويعد حسن الظن بهم آفة عقل وقلة فهم. بل بلغ بنا الأمر، أنا نعجب لخبر يجعل الرجل آخراً موضع ثقته فلا يخيب ظنه ولا يضيع معروفه. قتل، وهتك عرض، وغصب، وسرقة إلى كثير من الأمور التي تجعلك تتخذ من قول الشاعر:

عوى ذئب فاستأنست للذئب إذ عوى ___ وصوت إنسان فكدت أطير.

وهذان الثقتان على تفاوتهما، أعني فرط الثقة بالآلة، وانعدام الثقة في النفس البشرية أمران يميزان هذا الزمان عما سبقه من الأزمنة. هل لأننا أصبحنا نمضي أوقاتاً ليست بهينة مع الآلة، فنصبر عليها حين تضيق نفوسنا ببني جنسنا على قلة ما نمضيه من وقت معهم؟ لا أدري، ولست باحثاً عن بواعث ذلك فقد جربت الأثنين، وانعدمت ثـقـتي في الآلة وقلّ تعلقي بالناس على السواء. فالحديد يصدأ، والقلب يعطب. وتبقى الثقة بالله. لا أقولها لنفحة إيمانية هبت نحوي، بل أقولها بعد أن وثقت به سبحانه لثلاث وثلاثين عاماً فلا زال بي حتى خجلت لما مضى وطمعت فيما هو آت.    

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp
  1. Amal AlSuwaidi

    2012/11/02 - 08:17 م

    أوافقك تمامًا على ما كتبتْ. من المؤسف أنني للآن أكنّ للآلات الثقة حدّ تسميتها والمحافظة عليها كالهواتف القديمة أو الفلاش ميموري أو الآي بود مثلاً.
    أخالها إن غضبتٌ تحتملني. أليس هذا ما نشعر به حين نقود السيارة بانفعال ونشعر أننا نهرب وأنّ الآلة هي التي تتفهم ذلك ولن تقف في الوجه لتمنع وتأبى.
    لم يعد أحد من البشر يحتمل. صبرهم محدود كمسافة بين سبّابة وإبهام.

  2. حنين

    2012/11/06 - 12:57 م

    جزاك الله خيرا
    نعم ، وكلما تقرب العبد على الله وعرف أوصافه كلما صغر هو أمام نفسه ، وتبين له جحوده عن شكر نعمائه وفضله ،أما الخلق فمجالستهم مضيعة للوقت إلا مجالسة الأتقياء وذوي العقول والبصائر وذوي الفضل والأدب

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات