ثقافة الحي

“من لم يشكر الناس لم يشكر الله.”
حديث شريف

هائنذا أعود من زيارتي لليابان لأول مرة بعد انضمامي لوفد الحي الثقافي في معرض فرجان والذي كان من ضمن عدة برامج للاحتفال بأربعين سنة من الصداقة بين شعبي قطر واليابان، وحين تألقت جميع الوفود تميز وفد الحي الثقافي بأمور انتبهت لها وأود مشاركتم إياها:

ففي حين قدمت بقية الوفود تعريفا برؤيتها، لم يكتف الحي الثقافي بالتعريف عن التقاليد والعادات بل قدم المواطن القطري للشعب الياباني، الإنسان القطري في غير الإطار التقليدي. هذا أمر في غاية الأهمية، إذ نريد من بقية الشعوب أن تتعرف علينا كما تود معرفة ما كان عليه من قبلنا. نعم لدينا تاريخ نعتز به، لكن نريد منهم أن يعلموا أيضاً أن لنا حاضراً نتقاسمه وإياهم، ومستقبلاً ننازعهم عليه.

الأمرالثاني أن الكثير ممن شارك في الوفد لم يكن موظفاً في الحي الثقافي بل متطوعاً فحسب، وهذا تطلب الكثير من اليقين بقدرات المتطوعين، والثقة بأنهم خير من يمثل بلدهم. على سبيل المثال، هل كان بالإمكان الاستعانة بشخص أجنبي أفصح كلاماً وأحسن بياناً باليابانية من كاتبكم مثلا؟* بكل تأكيد! لكن أراد الحي الثقافي أن يفتخر بمن يسكنه، لأن الحي لا يكون حياً إلا بأهله، وبعدها يتسع لغيره. بل إنني ترددت وأردت الاعتذار لأنه لم يحدث قط أن تحدثت لجمهور باليابانية قط، لكن تشجيعي من قبل الإدارة حال دون ذلك.

أما الأمر الذي أشكر القائمين على إدارة الحي الثقافي عليه هو ترسيخ معتقد لدي بأن قطر تملك العديد من المواهب التي للأسف تم رفضها من الجمعيات والمؤسسات المعنية برعايتها! شاهدت سيدة يابانية تريد شراء لوحة من فنانة قطرية حتى وإن بلغ سعرها الآف الدولارات، وهي تقول لي أن رسم هذه الفنانة يستحق أكثر من هذا بكثير. وتعرفت على فنان يعرض حياته للخطر لأجل لوحاته! رأيت موسيقيين ومعلمات للموسيقى من شتى بقاع العالم يتسمرون ذاهلين أمام موسيقي قطري يعلمهم السلم الموسيقى على آلة القانون. أليست من تريد شراء هذه اللوحة القطرية، قادرة على شراء لوحة لأي فنان من أي دولة أخرى؟ أليس من جلس يستمع للموسيقي القطري قادر للاستماع لأي موسيقي آخر؟ لا أخفيكم، كنت ولا أزال فخورا بهم.

ثقافة الاحتواء لهؤلاء الموهوبين، هي الثقافة التي نجح الحي في إحيائها، حين أراد الكثير لتلكم المواهب أن تذبل وتُهجر. زد على ذلك أني التقيت بكادر قطري شاب ذو مستقبل واعد، يؤكد لي أن القادم أجمل والغد أبهى..كل ما ينقصنا الثقة بأنفسنا وبغيرنا، وأن تذوب كلمة “أنا” في “نحن.”

قليل من الثقة يا سادة هذا ما نحتاجه بين المؤسسات والأفراد.. وإن لم تعرفوا أصحاب المواهب فأصدقكم: كلنا عيال قرية، وكلن يعرف خيّه.


* هناك قطريين وقطريات أفصح من كاتب هذه السطور، لكن ما كنت أن اعتذر بعد أن رأيت هذه الثقة.

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp
  1. Haya

    2012/10/13 - 04:09 ص

    Glad you went there. I want to hear all about it :-)

  2. Um3azzan

    2012/10/18 - 06:13 م

    أكثر شيء أقدره في قيادة قطر اليوم أنها سعت ومازالت تسعى في بناء الإنسان .. إستثمار مضمون النتيجة وهو شعب واعي مثقف سيكون عجلة التقدم لقطر في الأعوام القادمة

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات