مقدمة: هذه التدوينة هي اقتباس لمجموعة مقالات هي أشبه ليوميات دوّنتها بقصد نشرها ككتاب، أعرض عليكم بعضها آملاً أن تبدو رأيكم بكل صدق وبعيداً عن المحابة.
التاريخ: 10 يونيو 2012
حقيقة: بالرغم من كثرة حلي وترحالي إلا أنني أكره الطيران! بل أمقته، ولا يثير حنقي إلا من يتصرف بكل عفوية بل ويتبجح بمذاق الطعام مثلاً وأن الخدمة لا تساوي مقدار ما دفع وهو بين السماء والأرض! كم أتمنى أن أخرج عن طوري ذات يوم فأقول: نحن على ارتفاع آلاف الأقدام! وأنت لا تملك جناحين في حال سقوط هذا الصفيح، فنم قرير العين و”كل تبن واشكر.” تباً لهؤلاء الذين يألفون الأمر برمته. كيف استطاع قطاع الطيران التقليل من شأن التحليق عبر المحيطات وأن الأمر غير محفوف بالمخاطر؟ بل أنهم راحوا ينشرون إحصائيات تثبت لك أن نسب التهامك من قبل أسماك القرش أعلى احتمالاً من سقوطك على متن طائرة! وهذا خطأ، فأي شأن يعنيه عدد المسافرين وعدد ساعات الطيران إن كنت أنا صاحب الحظ المشؤوم؟ على أن ثلاث ساعات ونصف تبدو قصيرة إن صاحبت كتب الأديب عبد الرحمن منيف. جلس عن يميني شخص أثار اشمئزازي، بدا منظره قبيحاً. لا أعني السخرية من خَلقه معاذ الله من أن أكون ممن يعيب على المصور صوره، لكن خُلقه هو ما جعلني أتقزز منه، وعل هذا أسوأ ما في الطيران إذ أنك لا تختار من يقضي هذا الوقت بجانبك وأنت معلق بين السماء والأرض، مرتهن بمقعد واحد تربط نفسك إليه في حال وقوع الطائرة بأسرها!
بدا لي هذا الجار غير مكترث إطلاقاً بأي شيء، كان يجلس على إحدى الكراسي التي خصصت لي، وبعد أن تدحرج خارجاً ثم حشى نفسه مرة أخرى بداخل كرسيه بجهد واضح، جلست حاجزاً بينه وبين زوجتي. ثم أن الأكل قدّم، وإذ به بكل صلافة يطلب خمراً! آلاف الأفكار تتزاحم بعقلي، هل أطلب منه عدم شربها؟ لا أحسبه يتعظ، والطائرة مزدحمة فلا سبيل لتغيير المقاعد، ثم هل اشتريت أخلاق من بجانبي حين قطعت التذكرة؟ أمضى وقتاً يتمعن في قنينة النبيذ التي أعطت إليه، أعني أنه ينظر إليها كما أنظر في صفحات كتابي. لا أبالغ إن قلت: أني كنت على وشك سؤاله: عفواً أنت مشبّه على حد؟ ثم أنه فاجىء المضيف وكأنه اكتشف ما كان ينقصه بقوله: حط عصير تفاح، وهو يشير إلى عصير البرتقال!
سأل المضيف وقد بدت الحيرة على وجهه: هذا نبيذ يعني عنب… تريد معه عصير برتقال؟
فقال مستنكراً: تفاح!
هممت بأمر سوء مرةً أخرى فأقول له: ياخي ما راح يصير عصير فخفخينا! أسكر وأنت ساكت.
لكن لو قدر لهذان الخليطان أن يجتمعان أعني العنب والتفاح فماذا يطلق عليهما؟ عصير عنباح؟ ثم أنه احتسى العنباح حتى ثمل، وأخذ يتفحص القنينة مرةً أخرى وحدث نفسه: لازم تفاح مرةً ثانية! لا أدري هل كان يحسبني أهمس في أذنه: تهقى؟ وجعل يعلو صوته: يا رسلان “إسم المضيف” رسلان ووجع.. جيب تفاح!
ثم التفت إلي وكأنه يلحظني لأول مرة، نظرة ارتياب تعلو وجهه أخذ يفحصني كما يفحص قنينته، تمعن في الكتاب الماثل بين يدي، تأمل قسمات وجهي ثم سأل وقد حدجني بعينه، وهو يمسك بإطار نظارته: يو سبيك “ع”ربيك؟
قلت: خير؟
فقال: ما شاء الله! طيب، نحتاج فيزا؟
قلت: تدفعها في المطار.
فقال: إذا نحصل عليها في المطار أجل طابع مهب فيزا!
عدت لنفسي، أي نعم سكران لكن وجهة نظر، حقيقة بالأخذ على محمل الجد.
ثم سأل: والوقت؟ كم فارق التوقيت؟
قلت: لا فرق بين توقيتنا وتوقيتهم.
فقال: لا لا.. ما أظن! تراهم بعاد وأنا أخوك.
تستطيع أن تسأل نفسك كما سألت نفسي: لم السؤال إذاً؟ يعني أنا مفتي في شؤون الفيزا؟ ورويبضة فيما يتعلق بالتواقيت؟ على أني مقّته حينها، إلا أنني أشعر بالأسف تجاهه، عمر ضايع، وقت يهدر، وطاقات تبدد في غير منفعة، يسافر وحيداً هل لديه من يشتاق له أو من يشتاق إليه؟ أينتفع بسفره سوى نقود يهدرها في شرب عنباح هنا وهناك؟ هل يكترث أحدهم لما قد يحل به؟ أعني أن يحزن أحدهم عليه ما فوق أيام العزاء؟ كم مثله في أمة لا إله إلا الله؟ كم “عمر ضايع”؟ اسأل الله له الهداية.
امنة
2012/06/27 - 06:15 م
مثل كل ما تكتب، هذا المقال جميل، لك اسلوب احب قراءته واشجع نشرك مقالاتك في كتاب
حنين
2012/09/03 - 01:01 ص
أسلوب جميل ، يعالج الواقع بطريقة جميلة ، بارك الله في قلمك