على ضفاف الشاطئ الآخر.

أثناء زيارتي للأردن وقبيل الغروب جلست أنظر للطرف الآخر من البحر الميت، أردت معرفة الشعور الذي مر بي وعيناي تقع على هذه الأرض للوهلة الأولى. لِم أحسست بالمرارة وقد أخذ أحد سكانها- أحد الذين أتوا من هناك ، من الشاطئ الآخر- يطنب في تسمية الهضاب والمرتفعات؟ هل كنت مقصراً، لست ممن يهوى الجغرافيا على أية حال! لكني أردت معرفة هذا الشعور؟ هناك مشاعر ينبغي للعاقل أن يتريث في تسميتها، ولعمري فقد رأيت الكثير ممن أخطأ في معرفة مشاعره فظن مثلاً أن شهوةً مرت به صبابة أو عشق ما، لذا أردت أن أترك للشعور الوقت الكافي أن يترجم نفسه كلاما أعقله، أو لفظاً أطلقه. طال جلوسي، حتى صار الشعور لفظاً نطقته خالياً لتلك الأرض، قلت ملء فمي، ودون إرادة مني: آسف..

هبت ريح، وكأن هذه الأرض تلفظني وتلفظ الاعتذار الذي قدمت! قلت مكرراً: فلسطين اسمعيني، أرجوك. ولِدت فأعلموني في المساجد أنك اغتصبت، وعلموني في المدارس أنك ضعت. شهد الله أني ما رضيت، آلمني كل ذلك. آلمني فقدك حرباً وإضاعتك سلماً. أنا..أنا أعلم أنك انتفضت غضباً، وبكيت ألماً فأمددناك بمال يشغلك عن شراء كفن، ولا يعيد لك الزمن! آسف لكل شيء، أو علي آسف على “لا شيء” 

انتظرت منها الرد في صورة إشارة. ما الذي كنت أتوقعه؟ أن تنشق الأرض حال سماع هذه الكلمات لتبتلع لحظتها كل غاصب؟ أو أن تقترب هي حتى تسد البحر الذي حال بيننا؟ سكوت مر، كهذا البحر المالح الذي تجلى كدموع ذرفتها لكل فقد،لكل وعد. ثم إنها انشغلت عني بإضاءة المدن، كأنها أوقدت شموع حزن، ولا أدري؟ أكانت تبكي؟ أم أن الدموع بعيني جعلت من الأضواء هناك على ضفاف الشاطئ الآخر تبدو وكأنها تنتحب وتتلوى ألماً حداداً على الجيل تلو الجيل لا يملك إلا الأسف والاعتذار؟ 

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp
  1. Um3azzan

    2012/06/24 - 11:17 ص

    كلما قرأت قصة تروي قصة الاغتصاب وتروي كيف سلبت ارض منا ونحن نائمين أدرك انها سجاذتنا كعرب ومسلمين ما يجب ان ناسف منها!
    آه انه حديثٌ ذو شجون!

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات