نقاط وخط مستقيم

سألني أحدهم: ما هو أقصى ما تحلم به؟ وما هو أشد مخاوفك؟
ابتسمت: وما حاجتك بأن تعلم بهذا؟
فقال: لا لشيء سوى أن الجانب الذي تبديه ينم عن مصدرين عميقين  كالوقود يشعلان طرحك ونقاشك هما: الحب و الخوف، لذا اسأل. 

ضحكت، فانتظر حتى عدت للسكوت فقال: كل بواعث النفس مردهما هاذين الشعورين فلا يشعرك هذا بالغرابة.

فقلت:  على رسلك يا هذا! حلمي، وذعري وجهان لعملة واحدة. دعني أبيّن ذلك: حياتي، إن قدر لي رسمها بيانياً فهي عبارة عن نقاط مبعثرة تجلت في أشخاص، وكتب، ومواقف  ومحطات شرّقت بها حين قصدت الغرب، وانعطفت منها للشمال حين وددت الجنوب. يغلب عليها الفوضوية، والفوضى عموما نظام لم يفهم بعد.  لكني أجد نفسي محموما باندفاع إلى وجهة ما، وهذه الوجهة تفرض نفسها في كل يوم، ويزيد الشوق لها كلما تقدمت بالعمر، دون أن أكون قد وطأتها قبل ذلك. ولا أظن المال يفيد للوصول إليها، ولا أحسب المال شيئا التفت إليه على النحو المسعور الذي صار عليه أغلب الناس. على أننا إن سلّمنا فإن المال اليوم في مجتمعاتنا، مقياس لمدى نجاح المرء أو فشله.

أقصى حلم لي يا صاح هو أن أعيد النظر للوراء لأجد أن كل نقطة وكل محطة ما كان لي أن أصل دونها لتلكم الوجهة حيث أحقق شيئا يفخر به كل من كان جزءً من تلكم النقاط. هل تمعنت ذات يوم لحديث ربنا مع كليمه موسى – عليه السلام –  كيف أن الله سرد له حفظه من فرعون، ثم حادثة القتل، ومن بعدها الهرب ورعي الغنم لسنين في أهل مدين وبعدها قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى:(وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي)

فكر لبرهة..حوادث متفرقة، ومحطات متباعدة يتضح لك في النهاية أنها مترابطة بسكة حديدية، حبات لؤلؤ متناثرة يتضح لك أنها نُظمت بخيط جعل منها عقداً ثميناً. يتجلى حلمي ببساطة أن أعلم لماذا درست اليابانية على سبيل المثال في حين كنت استطيع دراسة أي لغة أسهل تعلما وأوسع انتشارا؟ أن أعلم لماذا لاقيت أشخاصا كأستاذي عبدالله، وجيمس الحافي، والكثير ممن غيّر من قناعاتي ونظرتي للحياة على هذا النحو الذي تجده غريبا ومختلفا بعض الشيء؟ أنا أبحث عن ذاك الخط، أو المنحنى الذي يمر بأقصى عدد من النقاط ليقيم معنى لهذا التشتت، ذاك الخط هو الوقت، وحده سيبيّن حينها ما معنى هذا كله. 

وعليه يا صاحبي فإن أكثر هاجس يؤرقني أن انقطع في الأرض بعد كل هذا الترحال، أن يكون كل سعي ضياعاً وكل عمري عبثا حيث يضيع المرء فيكون أشد تعبا من اللحاق بالركب حتى وإن علم الوجهة.

زفرت: لهذا حلمي هو ذعري في ذات الوقت. تأخر الوقت طابت ليلتك. 

رجعت إلى النزل وجعلت أردد بيتا من الشعر لابن الرومي:

أو مســـــــــير القضاء في ظلم الغيب …. إلى قاصد له بالتــــــــــــــــــــــــــــواء 

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp
  1. حُسَــامٌ

    2012/06/02 - 12:40 م

    عجبا ما أجمل فلسفتك :)

    بلغك الله خير أمانيك…

  2. حنين

    2012/06/07 - 11:38 م

    قال ابن القيم رحمه الله :
    إن في القلب شعث : لا يلمه إلا الإقبال على الله، وعليه وحشة: لا يزيلها إلا الأنس به في خلوته، وفيه حزن : لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته، وفيه قلق: لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار منه إليه، وفيه نيران حسرات : لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه وقضائه ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه ، وفيه طلب شديد: لا يقف دون أن يكون هو وحده المطلوب ، وفيه فاقة: لا يسدها الا محبته ودوام ذكره والاخلاص له، ولو أعطى الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة أبدا!!

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات