نسقط ..فننهض.

قد لا افتقد عدسة الكاميرا لهذه اللحظة من عمري، فلا أظنها تغادرني ما حييت أبداً.

كنت بجانب ابنتي التي لا زالت تتعلم المشي، فتسقط أكثر مما تمشي، كنت أضع يدي حولها خشية أن تزل قدمها فتقع على طرف حاد من قطعة أثاث أو جدار ما. لو سألت عالم رياضيات لقال لك أن احتمال سقوطها على هذا النحو لا يستدعي كل هذا الحرص، لكن الرياضيات تفسر العالم من حولك وتجهله ذلك الكون بداخلك. فأين هي المعادلة التي تبين إشفاق الوالد على ولده؟ أو حرصه عليه؟ أين المعادلات التي تثبت لك شوق الأم لطفلها؟

دَفـَعت يدي بحزم وهي تنظر إلي، نظرة مفادها: “إني بخير فلا تقلق.” كأنها ضجرت من حرصي عليها، فأرادت أن أمنحها قليلاً من الثقة؟ أليس هذا حق كل ابن وابنة على والديهما فهما يمنحانهما الثقة حتى يمتد العمر فيثقان بأبنائهما أكثر مما يثقان بنفسيهما؟  

همست مبتسماً: إن شاء الله يا بنيتي، رفعت يدي فأخذت تمشي وظللت مكاني حتى التفتت.

ناديتها: ها كبرتي، خلاص؟ ما تحتاجين الشايب يوقف جنبك؟

 ضحكت وهي تنظر إلي لم تفهم ما قلت لكن علها أحست به؟ لأنها كانت تنتظرني. كانت ستقع.. لا يعلم إلا الله كيف وصلت إلى حيث كانت فالتقطتها قبل أن تصل ركبتاها إلى الأرض. ثم إذ هي تدفع يدي مرةً أخرى، لتسقط بعد ذلك فحاولت الوقوف مرة أخرى، مشيت بجانبها فحدثتها: يا منيرة، متى ما هممت بالسقوط هرع والدك لنجدتك، فإن لم أكن بجانبك فعزائك أني كنت سأتألم لسقوطك إن رأيته أو إن سمعت به.

رسالة إلى زمن بعيد:

بنيتي خلقت الدنيا لتعُبر، وكثيراً ما تزل أقدامنا فنسقط، أحياناً يكون سقوطنا مثيراً للضحك! لا تخشي من الضحك على نفسك، فأكثر القوم ثقةً بنفسهم، واعتداداً بها هم أولئك الذين يملكون قدرة الضحك على أنفسهم. وأحياناً، نسقط فيكون سقوطنا أقرب للألم والبكاء.

ستفقدين أشياءً أحياناً حين تعثرين وقد تعثرين على أشياء أخرى حين تسقطين. لكنه شيء قد نفذ إليك، كما نفذ إليّ من قبل. أي بنية..، إن كان من درس نعلمه دون أن نتعلمه هو: أننا ننفض الغبار، وننسى الألم لنعيد النهوض دوماً.

كثير العثر والمحب دائماً،

والدك.  

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp
  1. حُسَــامٌ

    2012/03/27 - 12:50 ص

    رائعة هي الأسطر الأخيرة…

    بوركتم

  2. حسن الراشدي

    2012/03/27 - 11:31 ص

    جميل جداً يارائد ..
    ليتنا نستفيد من الأطفال على محاولاتهم الكثيرة للمشي .. مجتمعنا لازال في حالة سقوط وياترى متى ينهض ..

    بارك الله فيك وفي ابنتك ..

  3. حنين

    2012/05/19 - 09:40 م

    مقالة رائعة بحق ، شكراً لك .

  4. Istegfaar

    2012/11/08 - 12:27 ص

    هذا عيبنا نبالغ في الثقه بأنفسنا ونرفض حرص المحبين لنا . ولا نعلم أن السقوط والتعثر سيرافقنا ما حيينا لذا يجب أن نحرص علي تعزيز ثقتنا بأنفسنا وسرعة النهوض ومتابعة الحياه مع الحرص كل الحرص علي احتواء تلك الأيدي والقلوب المحبه وإلصادقه التي تألم لألمنا

  5. غير معروف

    2012/11/17 - 08:04 ص

    و كل كلمة دخلت القلب كالسهم هل لأن أبي لم يكن يضع يديه حولي كثيرا , امي كانت تفعل ذلك و تمنيت ان تكون من ابي اكثر فانا اعلم ان من ابي ستكون أجمل ..

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات