الإنسان ماء.

إهداء: إلى نفسي التي بلغت الثلاثة والثلاثين عاماً


أشرف الماء ما صار حبراً، وأشده ملوحة ما همى من العين.

==

هناك فكرة تجول بذهني مذ مدة وهي أن الإنسان كما هو حال كل شيء حي مخلوق من ماء، فهل “تسربت” بعض خصائصه إلى النفس البشرية؟ ألسنا نقول حين نذم أحدهم: فلان ذو تفكير “ضحل” ونمدح أحياناً فنقول: يتسم فلان “بعمق التفكير” ؟ الماء طهور أو طاهر أو نجس و الإنسان في نفعه لمن حوله كذك، منهم من ينفع نفسه وغيره، ومنهم من ينفع غيره ولا ينفع نفسه، ومنهم من لاينفع نفسه ولا هو نفع غيره. وكما أن الماء بعضه عذب وملح، فكذا هي نفوس البشر منهم من لا ترتوي منه كماء زمزم، ومنهم كما نُقع علقم!

الماء يتشكل ضمن القالب الذي تضعه فيه، والإنسان دائم التغير بحسب الظروف فالبعض دائم التلون فهو يداهن ذا وينافق آخر كالماء الذي يتلون بما تخلطه به. والماء تحيا به الأمم، وقد تهلك به أحياناً ومن يحكم البشر كذلك. ثم إن الماء صعب صعوده، سهل هبوطه  تماماً كالبشر فرقيهم يلزمه الجهد، وانحطاطهم لا يتطلب جهداً يذكر.

الماء “الراكد” فاسد بطبعه، والنهر الجاري كالشباب في قوته، منه ما يحيى المرء به، ومنه ما يهلك بسببه إن هو جرى بغير هدف ولا نهج كان طوفاناً يدمّر. والبحر غادر، هكذا أكثر وصفه، وهكذا وصَف الكثير من العقلاء مخالطة الكثير من البشر. و إن أردت العجب من الشبه بين الإثنين فاعجب لإنسان بسيط، نقي السريرة يرزح تحت ثقل من يقل عنه، كحال الماء والزيت يطفو فوقه، مهما حاول الماء.

الماء تختلف أصواته بحسب مصادره، فهطول المطر، وموج البحر، وكذا جريان النهر. ولعمري، إن كانت الأذن لتميز أصوات الماء ومصادره فالقلب والعقل يحيران في أصوت الإنسان، ما بواعثها وأين يريد أصحابها أن تصل؟

خاتمة: والمطر كحال والدنا، من السماء هبط  وفي الأرض جَفَ ، ويوماً ما نَجِفُ كذلك ويبقى من بعدنا ما اخضر حولنا بفعلنا.

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp
  1. Um3azzan

    2012/03/02 - 08:21 ص

    كل عام وأنت بألف خير ..جميل التشبيه وبتعدد السؤال حولنا فعلا يحدد تعدد أنواع البشر ونفوسهم

  2. الإنسان والماء – تدوين

    2012/03/02 - 09:52 م

    […] تشبيه عجيب بين الإنسان والماء من زوايا قد لم تخطر على بالك، ضعهما جنبا إلى جنب وتأمل في خصائصهما. […]

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات