مريض نفسي.

“الإصلاح..” كان يسحب أنفاسه كأنه توقف عن الجري لكنه لم يكن يلهث، كان يسحب أنفاسه خلسة وبسرعة لأنه على قناعة تامة أن الدهر إن علم بوجوده سيسحقه بلا هوادة.   لشدة ما تضاءلت قناعاته حتى صار الضروري مما يحتاجه جسده كالتنفس، كماليات يحس معها بالفوز في كل نَفَس.   التفت وقد بدى الذعر واضحاً في عينيه وضع يمينه على شفته التي تورمت بفعل ضربة ما، ثم وضع راحتي يديه بين ركبتيه “الإصلاح في حقيقته يا دكتور..”  تنفس “بناء، نعم بناء و الانتقام هدم، وأنا يمكن انتقم ممن فعل – تنفس- هذا بي، فلا استطيع أن أدعي الإصلاح. حتى وإن خرجت”  تنفس، كان يحرك جسده إلى الأمام ثم إلى الخلف بشكل ملاحظ،

“أنا؟ لا لست..” أغمض عينيه وكأنه يحاول أن يتذكر جاهداً “أنا..أنا لا أحس بالبرد، أنا لا أحس.أنا عديم الحس، يقول الحراس إني عديم الحس دكتور”

ضحك أحد الحارسين، وابتسم الآخر.

نظر المتحدث إليهما ثم أخذ يلتفت كأنه يبحث عن شيء ما.

نعم، دكتور؟ أنا أضعت شيء؟ أخذ يتنفس بذعر و بسرعة. “أنا لم أضيع شيئاً”، اغرورقت عينيه بالدموع و أخذت تنسكب على ذقنه، كانت تنحدر الدموع بسرعة عند الندبات، و تتوه أحياناً عند بعض الجروح و قد حلم أحد الحارسين بأن الموقف أعيد مرة أخرى لكن دموع المتحدث كانت تصعد للسماء، أخبر هذا لصاحبه  ” ..لكن ضيعوني ولاد الحرام، و ضيعوا البلد” و أخذ يجهش بالبكاء كالطفل، “ضيعوني، و ضيعوا البلد.. دكتور” ثم اختلطت دموعه بصراخه وهو يجر مع الحراس إلى خارج الغرفة. و أخذ يختفي الصراخ حتى كان آخر ما سمع الطبيب “البلد، البلد، البلد.”


يذكر التقرير الطبي عدة أمور عن هذا السجين، و يسرد بكل تفصيل كل سبب أو باعث نفسي قد تسبب في وصول “المريض” لتلكم الحالة من الاضطراب العقلي بدءً من طفولته.  المريض يعاني من وساوس قهرية، وهلوسات وتهيئات، بالإضافة إلى كيل شتائم و عنف لفظي علها بسبب تورم في المخ جراء سقوطه على سطح صلب، امتدت الشتائم لتطال “عيال الحرام” و الغريب أنها كانت تطول وتمتد كل ما رفعت إلى مسؤول لأعلى منه، لأنهم جميعاً أحسوا بالظلم ووحده كان يتكلم عنه! ويفيد التقرير أيضاً بأن المريض مصاب بجنون، لا شفاء منه، وينصح أيضاً بأن يظل تحت المراقبة وبعيداً عن المجتمع لأنه يمثل خطراً لنفسه ولمن يصادفه!

كتب الدكتور في مذكراته لاحقاً،”من الضروري وجود هذه الفئة من المجانين في المجتمعات البشرية. و خلو أي مجتمع منهم ينذر بأن المجتمع على حافة الجنون بأسره.”

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات