القول السديد في محاسن و مساوىء التغريد.

تمهيد: أنا لست بطلا. كثيرا ما كنت أسرح بخيالي و أنا ابن عشر و أصور نفسي بطلا يحطم الأشرار و يساند الأخيار “راجع جنغر”  و كون إسمي يحتمل البطولة “رائد: رعد العملاق” لكن أنا اليوم على قناعة تامة أنني لو كنت ممثلا في فيلم فلا أعدو أن أكون أول ضحية للديناصور يدعس عليها ليثبت قوته أو الضحية التي يقتلها الشرير ليشاهد الناس بأسه و سطوته” يعني بالعربي: أنا شخص جد عادي.

 

 

سبب الموضوع: تواترت تغريدات في مطلع هذا الشهر، مفادها أن تويتر يشكل نوعاً من الإدمان يوازي إدمان و معاقرة الخمر أجلكم الله. (خمر يعني هذا اللي تشوفه بMBC ACTION  فنجال الشيطان و يولعون فيه. يشربونه مرة وحدة و من حولين الشارب دحك و لعب و جد و حب..) ما علينا، و بما أني مدمن لأربع أشياء حسب الشرع، هم:

-القراءة 

-الكتابة

-القهوة (و في رواية الكهوة)

-الشعر

 

فقد تعذر أن أضيف تويتر للقائمة دون تسريح إحداهن، فنظرت و فكرت، حتي قلت: سأهجر تويتر لأسبوع و أرى إن كنت أستطيع ذلك، و فيما يلي سرد لما اكتسبت و لما فقدت بهذا الهجر.

 

 

أما عن مساويء ترك تويتر خلال الإسبوع فكانت:

 

اليوم الأول بدون تويتر: حكة و دوار و غثيان في أول يوم و إحولال في العين اليسرى! (لا .. لا)

 

تأخر في التقاط الأخبار العالمية و الأخرى المحلية.

 

أذكر أني استمعت لقناة البي بي سي و هي تعلن أن السيدة منال الشريف بصدد إطلاق حملتها الثانية لقيادة النساء للسيارة في المملكة العربية السعودية. “غصبا عنكم 2.0” فقلت: لو كنت على تويتر لعلمت قبلها بيومين.

 

ثم رجعت إلى نفسي، ما الذي ضاع علي أثناء هذين اليومين؟ ثم ما كنت فاعلا مثلا؟ و هل زاد علمي بهذه المحاولة شيئا؟ أليست المحطات الفضائية معنية بالتقاط الأخبار و نشرها متى بلغت أهمية ما؟  أنا أتفق معكم فيما يتعلق بالرأي العام و تأثيره كما رأينا في ٢٠١١ لكني علمت في نفس الأسبوع “بزاته” فالمعرفة اللحظية إن لم تقترن بضرورة فعل لحظي لم تزد عن حب فضول لا أكثر. لكن تبقى المعرفة اللحظية إحدى الأشياء التي تفقدها بمجرد هجرك لتويتر.

 

وجدت أني افتقد أيضاَ مقاطع الڤيديو سواء على يوتيوب أو المربع الأزرق بو عيون “هذا شسالفته؟ اللي يغمض و يبطل عينه قبل لا يبتدي المقطع”  و قلت في نفسي لله در تويتر الذي عرفني على برامج شبابية أذكر منها على سبيل المثال:

-شاب سعودي شعره أبيض.

-شاب سعودي يصفق شاب سعودي آخر و هو يصرخ: يا الوصخ.

-شاب سعودي دوم يعتذر

-رسوم متحركة سعودية بها مربعات معصبة و تقول: يا الوصخ.

– شاب سعودي مسوي نفسه إبليس و يقعد مع الخدامات و السواويق”فاهم غلط”

 

لكن تويتر شيء و اليوتيوب شيء آخر و ارتباطك بأحدهما لا يعني بالضرورة ارتباطك بالآخر.

 

افتقدت المواضيع المتشعبة، و الروابط التي تحتوي على كنوز مربوطة بها. لكن لفرط ما يغرد بها الناس و يغردون بكل جديد توهم نفسك بأنك ستقرأها كلها حين تبقيها في مفضلتك، و لا تفعل.

 

 زيادة عدد “المعارف” هذه ميزة كبرى و لا شك، أرجوك لا تقل أنك اكتسبت صديق العمر من خلال تويتر فإن فعلت فأنت لا تخرج من ثلاث:

إما أنك ساذج، أو أنك تكذب على نفسك، أو لعمري هي الطامة الأكبر: أنك لم تعرف في حياتك صديقاً بحق! فلست ألومك عندها، خلك على تويتر.  

 

أما المحاسن فهي:

 

اختفاء عبارة “يا أخي طالعني” من حياتي! حقيقة: شعور غريب! طبعا و بسبب الجوالات الغبية تويتر موجود في كل زمان و مكان و بما أنه إدمان” فالعين مرتبطة به”  و نغفل أن لجليسك عليك حقوقاً منها أن تنظر إليه إن حدّثك.

 

القدرة على التركيز.

أشد أضرار تويتر أن يجعلك “مفهي”، بمعنى أن تسرح و لا يصبح لك القدرة على تحليل أمور عميقة لا لغبائك..أبداً محشوم أنت سيد العاقلين لكن لعدم صبرك أو قدرتك على تركيب معلومات و معالجتها على نحو يتطلب منك أكثر من 143 حرف!  عزيزي المغرد: بعض المعلومات أعلى، و بعض المفاهيم أعمق و أبعد من 143 حرف.

 

الإكثار من التدبر و التأمل.

كونك مرتبط بتويتر يعني أنك “راعي نكته، سياسي، إقتصادي، راوي حديث، مطلع على الفلسفة، شاعر غفلة” كل هذا في بضع دقائق لأنك تتابع التايم لاين. بينما الكثير من الأفكار الأصيلة، و أبيات الشعر الفصيحة تتطلب التدبر و التأمل و تقليب النظر مرة تلو أخرى حتى تتشبع بتلكم المعاني. لأن تويتر يزيد من معلوماتك لا من علمك، أعني بالعلم ما أثر في سلوكك و عاينت نفعه في تفكيرك أو نطقك أو تصرفاتك و مثل هذا يندر على أغصان تويتر.

الإقبال على القراءة.

 و هنا لا أقصد قراءة مقال، أو تدوينة أو تحليل إعلامي، بل أقصد قراءة ألف صفحة (مدن الملح الجزء الثاني و الثالث: الأخدود و تقاسيم الليل و النهار) في غضون إسبوع لمادة دسمة كتوحيد المملكة العربية السعودية و ما رافق ذلك من معارك و تحالفات و اختلاف وجهات نظر حتى عهد الملك فيصل رحمه الله. عن طريق مصادر عدة، و مراجع مختلفة، فتقرأ سيرة كل رجل معني بتلكم الحقبة التاريخية، و تحاول فهم قناعاته، حتى تمعن النظر في كل الصور الملتقطة لكل واحد من هؤلاء. قراءة بمثل هذا النمط، تميزك و تغيرك و تجعلك تنظر لما حولك من الأمور بكثير من الفهم و التفهم.  

 طيب و الحل؟

أجد أن باب التوسط في هذا كله هو أن تستخدم تويتر من خلال حاسوبك الآلي فقط، نعم أن تحذفه من جهاز الجوال فتفوز بمحاسن هجره و الإقبال عليه.

ختاماً أذكر أني قبل سنوات أدمنت لعبة الشطرنج، و قررت أن أنزع هذا الإدمان فهونت على نفسي بأن الحياة أكبر من 64 مربع تحتويها رقعة الشطرنج، فهناك مربعات أهم، و ملوك أجدر بالحماية و معارك أشد يخوضها المرء. و اليوم أذكر نفسي أن الدنيا أكبر من شجرة بأغصان تحتوي عصافير تغرد في ضجـيـج لا تميز من صخبها غناء بعضها من نعيق أكثرها.  سأعود بكل تأكيد، لكن الجزء الرابع من مدن الملح ينتظرني.

حتى نلتقي مودتي..

@Ra_ed

ملاحظة: شكراً لكل من تفضل و سأل و استعلم إن ألمّ بي خطب ما، لا حرمني الله إياكم.

 

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp
  1. Um3azzan

    2012/02/13 - 09:07 م

    آثرت أن أضع تعليقي في مدونتي لطول ردي :)
    http://um3azzan.wordpress.com/2012/02/13/تويتر-بين-الزين-والشين/#more-683

  2. محاسن ومساوئ تويتر – تدوين

    2012/02/14 - 06:52 م

    […] تدوينة رائد، تجد تجربته الشجاعة مع تويتر، حيث إنه هجره لمدة أسبوع […]

  3. د.سمر

    2012/03/09 - 06:52 م

    الخلاصة إذن تويتر وسيلة تكميلية وليست غاية ضرورية :)
    مقارنة جميلة جدا جدا وأسلوب طرح سلس لا تلبث أن تجد نفسك في النهاية مبتسما
    لأول مرة أحط هنا ولن تكون الأخيرة

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات